Okaz

لم يندم على دعوته

أمني

-

من «املجلة العربية» (جمادى اآلخــرة، .)1409 ونظرًا لقدم عـــدد املـجـلـة وعـــدم إمـكـانـيـ­ة الــحــصــ­ول عـلـيـه فــي اإلنترنت، فـقـد تــواصــلـ­ـت مــع رئــيــس تـحـريـر املـجـلـة الـعـربـيـ­ة اإلستاذ محمد السيف مستفسرًا عن إمكانية الحصول على العدد، ووجـــدت مـنـه تـجـاوبـًا سـريـعـًا. وبــالــرج­ــوع للمجلة، وجدت مــقــاال لسيدة اسمها «هــيــام فتحي دربـــك» بـعـنـوان «املجلة العربية تكشف هــذا الــســر... قـاسـم أمــني يتنصل مـن دعوته إلـى السفور ويــقــول...». وطفقت أبحث في اسـم كاتبة املقالة فـلـم أعــثــر لـهـا إال عـلـى بـضـعـة مــقــاالت مــنــشــو­رة فــي كــل من «املـجـلـة الـعـربـيـ­ة» و«املـنـهـل» السعوديتني. فانتقلت أبحث بـاسـم الـجـريـدة، «جــريــدة الـطـاهـر» هــذه، فلم أعـثـر لها على أثر. إال أنني عثرت في الكتاب املرجعي للصحافة في مصر، املوسوم بـ «تطور الصحافة املصرية »1981-1798 إلبراهيم عـبـده، على جـريـدة كانت تصدر فـي مطلع الـقـرن العشرين باسم «الـظـاهـر»، يصدرها مـحـام ووفــدي شهير هـو محمد أبوشادي، والد الشاعر أحمد زكي أبو شادي. وبالفعل ومع تغيير «الـطـاهـر» إلــى «الـظـاهـر» وجــدت انتشارًا واسـعـًا في مواقع اإلنترنت للمقابلة أعاله. وبتتبعها وجدتها مأخوذة عــن الـكـاتـب اإلســالمـ­ـي أنـــور الـجـنـدي. وقــد أوردهــــا األستاذ الجندي في عدة مؤلفات له، كما هي عادته. ولقد نشر ما كتبه عن تراجع قاسم أمـني بداية في كتابه «رجــال اختلف فيهم الـــرأي»، ثم أعــاد نشر نفس املــادة في كتابه «جيل العمالقة والقمم الشوامخ في ضوء اإلسالم»، ثم في كتابه ذي العشرة مـجـلـدات «مـقـدمـات الـعـلـوم واملــنــا­هــج». وبـرغـم ضخامة كل من الكتب أعـاله، يزيد الكتاب األخير مثال على الستة آالف صفحة، وضخامة مـا تضمنته مـن ادعـــاءات بحق عشرات من أعـالم الثقافة العربية وكتابها ومدراسها واتجاهاتها بـأنـهـم مـجـرد صـنـائـع لـالسـتـعـ­مـار، وأدوات ملــؤامــر­ة الغرب علينا، ومرددين لكتابات املستشرقني، فإنه ال يوجد في أي من الكتب أعــاله ثبت للمراجع، ليسهل على الـقـارئ معرفة أيـن وردت املعلومات املساقة في النصوص. وهــذا هو دأب أنــــور الــجــنــ­دي فــي الــتــألـ­ـيــف. ويــكــفــ­ي إليــضــاح الــــروح التي تحركه فـي الكتابة تأمل أحــد العناوين أعــاله، أعني كتاب «جيل العمالقة والقمم الشوامخ في ضوء اإلسالم». فـ«ضوء اإلسالم» املزعوم ليس إال انطباعات وادعاءات أنور الجندي عن هؤالء األعالم والتراث الذي خلفوه. وعمومًا، عثرت على مصدر مختلف للمقابلة املذكورة أورده األستاذ محمد أسعد طلس في كتاب له بعنوان «محاضرات عن الشيخ عبدالقادر املغربي». واملغربي هـذا شيخ وأديب ونهضوي سوري عاصر قاسم أمني، وأقام في مصر فترة من الزمن، ونشر عددا من املقاالت في جريدة الظاهر املشار إليها أعاله. وينقل طلس عن كتاب للمغربي معنون بـ«كلمتان في الـسـفـور والـحـجـاب» مقالة كــان نشرها املـغـربـي فـي جريدة الظاهر في 11 أكتوبر ،1906 أي في نفس الشهر الذي نشرت فيه مقابلة قاسم أمني، يقول فيها: «كنت باألمس أتجول في شوارع القاهرة وأدخل حوانيتها ومخازنها وأنـتـاب منتزهاتها وحدائقها، فأجد من تبرج النساء وتبذلهن ومحادثتهن للرجال وعدم التزامهن حدود الـشـرع مـا كــان يـذكـرنـي بما كتبه الـعـالـم الـفـاضـل قـاسـم بك أمني في كتابه «تحرير املرأة» و«املرأة الجديدة»، من أن هذا الحجاب الذي عليه عامة نساء املسلمني ليس بالحجاب الـشـرعـي، فـال ينبغي االحـتـفـا­ظ بــه، وإنما علينا الرجوع إلى ما قرره الشرع في ذلك لكنه -حفظه الله- كان يصور الـــحـــج­ـــاب الـــشـــر­عـــي بـــمـــا عليه اآلن نساء أوروبـا وأمريكا، وقد وصف من أحوالهن ومخالطتهن للرجال ما يشعر باستحسانه له وتمنيه لنسائنا مثله، حتى هــــــاج عـــلـــيـ­ــه الشيوخ واملتعصبون، مع أن

الــحــجــ­اب الشرعي هـــو واســـطـــ­ة بـــني الــحــالـ­ـتــني، لــيــس فــيــه الــتــبــ­ذل والتعرض ملـثـارات الفجور ومــا هـي عليه الحالة فـي نساء الـغـرب، وال يــحــول بــني املــــرأة وبـــني رقــيــهــ­ا وإعـــداده­ـــا ألن تــكــون زوجا وأما ومدبرة منزل، كما هي عليه حالة نسائنا لهذا العهد. ومهما يكن فـإن املؤلف «األمــني» إنما يرمي إلـى نشل املرأة املسلمة من هوة الجهل التي سقطت فيها منذ قـرون... كنت أفكر في هـذا املوضوع وأذكــر في نفسي ما كـان كتبه قاسم بك وفصله تفصيال شافيا، وإذا بي أقرأ من جريدة الظاهر نقال عن جريدة «اإلسكندرية» مقاال طويال للمومأ إليه (أي قاسم أمني) يقول فيه: إنه عدل عن رأيه في مسألة الحجاب، وســحــب كــالمــه فــي دعـــوة األمـــة إلــى تـحـريـر املــــرأة، فرجعت وخفت أن يكون أدرك ذلك الفاضل شيء من الخور وضعف العزيمة. فأخذ يعتذر للشيوخ واملتعصبني، ويتنصل من ما كانوا اتهموه به من قبل، وقلت إن كـان شأنه كذلك فيكون من جملة مصاب األمة برجالها وقادتها الذين نرجو الخير من قبلهم... لكن لم ألبث في ثاني يوم حتى قرأت ما كتبه حضرته فـي إنـكـار ذلـك املـقـال والــبــرا­ءة منه، فسررت، ورأيــت كـل ذلــك فرصة حسنة أغتنمها فـي رجاء الفاضل قاسم بك أن يتحفنا بكتاب في املرأة يكون ثالث القمرين، وشاهدا لصاحبه بالحسنيني». ويتضح مما كتبه عـــبـــدا­لـــقـــاد­ر املـــغـــ­ربـــي أن جـــريـــد­ة الـــظـــا­هـــر نقلت مـن جـريـدة اإلسكندرية مـــقـــاب­ـــلـــة مــــزعـــ­ـومــــة مع قــاســم أمـــني يــقــول فيها بـــنـــدم­ـــه عـــلـــى دعوته لـــتـــحـ­ــريـــر املـــــــ­ــــرأة، وأن قـــــاســ­ـــم أمـــــــن­ي نــــفــــ­ى في الـــيـــو­م الــتــالـ­ـي لــنــشــر جريدة الظاهر املقابلة نسبة املقابلة له، أو أنه ندم على إطالقه دعوته الشهيرة. بـوضـوح، أصــل الحكاية كله خبر مكذوب على قاسم أمني نفاه هو بنفسه، ونشر نفيه في اليوم الالحق لنشر الخبر املكذوب. ولـسـت أدري مــا هــو مـصـدر أنـــور الــجــنــ­دي؟ هــل كان نسخة قديمة من جريدة الظاهر، أم كان مصدرًا ثانويًا، كأن يكون كتاب املغربي دله على املقابلة املزعومة؟ وإن كانت الجريدة ذاتها هي مصدر األستاذ الجندي، فهل اطلع على النسخة املتضمنة املقابلة املـزعـومـ­ة، ولم يطلع على عدد اليوم التالي الذي تضمن نفي قاسم أمني لتراجعه وندمه؟ املــثــيـ­ـر فــي األمــــر هــو تــكــرار ذات الــظــاهـ­ـرة، أي الزعم بتقويض مدارس فكرية أو اتجاهات نظرية أو أساليب حياة قائمة ملجتمعات أخرى بناء على ادعاءات يظهر بالتتبع عـدم صدقها. ذكرتني الحكاية كلها بتتبع د. حمزة املزيني لالستفتاء الفرنسي الذي نشرته الدكتورة نــوال الـعـيـد، وذكـــرت فيه أن مجلة فرنسية اسمها «ماري مكير» قد أجرته على 2.5 مليون فتاة، وأن %90 منهن تمنني الزواج من عرب، ليتضح للدكتور حمزة وبعد بحث مضن أن أصل هذا االستفتاء مربع مضاف ملقال منشور في مجلة «االعتصام» املصرية اإلسالمية التوجه، أي أن محرر املجلة أضافه دون ذكر أي مصدر للخبر املزعوم. يذكر أن الدكتورة نوال العيد استقت «معلومة» االستفتاء من رسالة دكتوراه! أي أن ادعـــاء ملـحـرر مجلة بــدون أي سند تـم االسـتـشـه­ـاد به كـخـبـر مـسـتـوف شـــروط الــصــدق فــي رســالــة دكـــتـــو­راه، ليتم االستشهاد بـه الحـقـًا فـي كـتـاب نــال جــائــزة. يـذكـر أيـضـا أن أحـد كتب أنـور الجندي املتضمن دعـوى نـدم قاسم أمني مـنـشـور بــواســطـ­ـة دار االعــتــص­ــام، وكـثـيـر مــن مـــواد ذلك الكتاب عبارة عن محاضرات للجندي في ندوات تقيمها الدار، أو مقاالت تنشرها املجلة الصادرة عنها. ولإليضاح، لم يكن دافعي لهذا التتبع، ثم كتابة املقالة، تصحيح معلومة خاطئة في أدبيات تاريخ الفكر. فاألعمال املكتوبة التي اطلعت عليها قبال، والتي تناولت قاسم أمني وإنــتــاج­ــه لــم تتضمن شيئًا عــن تــراجــع لــه؛ بمعنى أن هذه التوبة املزعومة ليست من صلب أدبيات تاريخ الفكر. إنما كــان دافــعــي هــو مــا يمكن أن أسـمـيـه «الـتـوظـيـ­ف املجتمعي ملعلومة خاطئة»، وهذا جزء من اهتمامي األكاديمي. ففيما تخلو أدبيات تاريخ الفكر من هكذا معلومة، فإن لها تداوال مجتمعيًا واسعًا. إذ وجدها محرك البحث جوجل منشورة في أكثر من 400 موقع. كما أن هناك عشرات التغريدات عنها. ولـم ألحظ في كل ما راجعته فـــــــــ­ــي هــــــــذ­ا

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia