Okaz

... احلب ليس مجرد قصة

-

أحــب دائــمــًا وبـعـد قـــراءة كــل روايـــة أن أكـتـب عنها. وما أكتبه حتمًا ليس نقدًا علميًا فأنا لست متخصصًا في ذلـك وفـي املقابل حتمًا ليس تطبيال لكسب ود الكاتب، وال أدري ملاذا نخندق األمور هكذا ونضعها في خنادق الـتـطـبـي­ـل والــتــزل­ــف و و ...و عــمــومــ­ا «ما علينا». الرواية التي انتهيت منها اآلن هي «لوعة الــغــاوي­ــة» لــألســتـ­ـاذ عــبــده خـــال، ومـــا زلت حــتــى اآلن - لـحـظـة كــتــابــ­ة هـــذه الكلمات - أســـأل نـفـسـي عــن الــنــفــ­س الـكـتـابـ­ي الذي يحمله عـبـده خــال الـــذي بــدأ روايــتــه هذه بــإهــداء خـــاص لـقـلـبـه الـــذي أنـهـكـه راجيًا منه أن يقبل اعتذاره وأظن أن اإلهداء هنا لــم يـــأت صـدفـة أو أنــه جــاء لـقـاء ظــرف ما بقدر ما هو - حسب اعتقادي - إيحاء لكل قــارئ بــأن يعتذر لقلبه بعد هــذه الرواية املــمــزو­جــة بـالـكـثـي­ـر مــن األفــــــ­راح الــتــي لم تفارقها األحزان. لـوعـة الـغـاويـة الـتـي دارت أحـداثـهـا مــا بــني مدينة جدة والقرى النائمة على الشريط الحدودي مع دولـة اليمن تفرد ببطولتها «مبخوت» الذي لم يلق نصيبًا من اسمه فحظه أسود؛ ولذلك عاش جل حياته إن لم يكن كل حياته يتدحرج من خسارة إلى هزيمة متكئًا على قلبه األبيض الـــذي تجلى فــي «حنيته» املـفـرطـة الـتـي كـــادت تعرضه للموت - فـي أحــد فصول الــروايــ­ة - وذلك بسبب خوفه على طفل «حوثي» انتهى به إيمانه لالنضمام إلى كتائب القتال التي تــحــارب وطــنــه عــلــى الــشــريـ­ـط الحدودي حيث اضطر «مبخوت» لالنضمام إليهم حـــني كــــان يــبــحــث عـــن عــشــقــه فـــي جبال صــعــدة. والــحــب إجــمــاال كـــان هــو البطل الخفي لهذه الرواية حيث إنه كان حاضرًا في كل الفصول كما لو أنـه محور حياة وليس مجرد قصة عابرة. كـمـخـرج سينمائي شــرعــت أقـــرأ الرواية وأتخيل تجسيدها على أرض الواقع وكم شعرت أنه من السهل جدًا أن تتحول «لوعة الغاوية» إلى فيلم سينمائي «سعودي» لوعة الغاوية خاصة وأن عبده خـال حــاول هـذه املــرة أن يكون بعيدًا عن إيحاءاته التي تتردد كثيرًا في رواياته، بل إنه أبدى حسًا وطنيًا جميال تجلى في األجزاء األخيرة من الرواية التي أيضا كان الحب فيها بطال عظيمًا ملعشوقة أعظم تتجلى في الوطن وترابه الذي وقف أبناء القرية يدًا بيد مـع قــوات حــرس الـحـدود يـدافـعـون عنه بكل حب وحمية. طــبــعــًا، كـــان مــن الـــواضــ­ـح والــجــلـ­ـي أن عبده خــال الـــذي تــرك الـشـريـط الــحــدود­ي «مسقط رأسه» وانتقل إلى مدينة جدة للعيش هناك استفاد كثيرًا من إدراكه بتفاصيل الجغرافيا وسيسيولجية الحياة في كل مكان ورد في الــــرواي­ــــة؛ ولــهــذا أبــــدع فــي تــصــويــ­ر املشاهد إبـداعـًا ليس غريبًا على «خالنا عـبـده». بيد أنني وقفت أمام مشهد شعرت أن الراوي الذي بدا أنه درس كل شيء قبل الكتابة نسي أن األعمى يعتمد كثيرًا على حاسة اللمس وأنه - حسب ظني - لن تنطلي عليه فـكـرة قطعة لـحـم عـلـى أنـهـا جــزء مــن جـسـد أنثى، وكـأنـي بخال يـمـارس الغرائبية التي تقوم على «رسم القاص تفاصيله رسمًا موغال في البساطة واأللفة مما يزيد من حدة االصطدام بالغريب واملستحيل الحدوث حني يجاوره ويتداخل فيه» كما هي الواقعية السحرية حسب ميجان الرويلي وسعد البازعي في دليل الناقد األدبي. وهذه حتمًا رسالة أدبية توحي بأن املألوف الذي نراه ونحياه فيه قدر كبير من الغرابة. لعبت الذكريات دورًا مهمًا في الرواية لكنها أفـــضـــت بـــعـــض الــــشـــ­ـيء إلـــــى «التكرارية» وبالتالي طـول الـروايـة الــذي ال يتوافق مع عصرية القارئ الذي أثار غضبه زيادة أحرف مـوقـع الــتــواص­ــل «تــويــتــ­ر» مــن 140 حـرفـًا إلى .280 وال أظــن أن أهمية الــقــارئ بوصفه أحد أركان العمل اإلبداعي تغيب عن روائي بحجم خال. بــكــل أمـــانـــ­ة أغــبــط عــبــده خــــال عــلــى روحه الكوميدية التي لـم تخل منها الــروايــ­ة حيث يكفي أن يخطر ببال الكاتب أن يختلق كذبة - على لسان إحدى شخصيات الرواية - كمشاركة تنظيم القاعدة في الـحـرب وهــو يظن أن املــال عمر يعمل قـائـد حافلة لدى أسامة بن الدن. هذه الـروح ال يكتب بلغتها إال «متمرد لذيذ» كعبده خال.

 ??  ?? وليد الكاملي
وليد الكاملي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia