Okaz

الرياض بني ليلتني

-

كـان مساء اإلثنني املاضي مختلفًا في الرياض ألنـي للمرة األولــى أشاهد فيها ما شاهدته، وأعـاد لي ذكرى قديمة كنت أتمنى لو أن ما حدث فيها يشبه هذه الليلة. سأبدأ بالليلة القديمة، ليلة حفل تخرجنا من كلية الطب بجامعة امللك سعود، كانت فرحة عظيمة بال شك على املستوى الشخصي لكنها كانت تفتقد تفاصيل كثيرة وحميمة، كنا نفرح وحدنا كخريجني، ألبسونا مشالح عليها شعار الجامعة بالكاد تلقى بينها مقاسك املناسب، حضور ضئيل في قاعة كبيرة، ومسيرة صامتة ال مظاهر فرح عام فيها، قليل جدا من اآلبــاء واإلخــوة حضروا، وانتهت الحفلة بسرعة ليخرج كل واحد إلى مستقبله. لم نعرف ماذا فعلت زميالتنا الخريجات، هل احتفلن في بيوتهن أم في حفلة مماثلة مغلقة. كانت تلك الفترة تمثل قمة التشدد والبؤس والكآبة ومصادرة الحياة الطبيعية. ليلة اإلثنني املاضي كانت مختلفة جذريًا في كل تفاصيلها عندما احتفلت هيئة التخصصات الصحية بتخريج الدفعة 21 من األطباء والصيادلة والتمريض والعلوم الطبية، فتيات وفتيانًا، فـي قاعة احتشدت بالفرح العارم والبهجة الحبور. انتظم الخريجون والخريجات في مسيرة واحدة على أنغام أغنية «وطني الحبيب» للراحل طالل مداح رحمه الله، ونشيد «بالدي بالدي منار الهدى»، كان اآلباء واألمهات واإلخوة واألخوات واألبناء والـبـنـات يملؤون القاعة ويـهـزجـون مـع األنــغــا­م، كلمة للخريجني وكلمة للخريجات، وزير الصحة ومسؤولو الهيئة يهنئون الخريجني ويلتقطون صورا تذكارية معهم، ثم ينتقلون إلى جانب الخريجات لتهنئتهن أيضا والتقاط الصور معهن. وبعد انتهاء الفقرات الرسمية تحولت القاعة إلى كرنفال رائع من املوسيقى والفرح الحقيقي العفوي للجميع. صباح الثالثاء فاجأتنا صحيفة عكاظ بصورة لخريجة تتوسط صفحتها األولـــــ­ى، شــاهــدتـ­ـهــا وأنــــا فــي الــطــائـ­ـرة، ورحــــت أسـتـعـيـد الــفــجــ­وة الزمنية واإلنـسـان­ـيـة الهائلة بــني مــا حــدث فــي ليلتنا ومــا حــدث فــي ليلة اإلثنني. الـــريـــ­اض لـيـسـت تــلــك الـــريـــ­اض املــاضــي­ــة الــتــي حــولــهــ­ا الــتــشــ­دد إلـــى أرض قاحلة إنسانيًا، لكنها بدأت اآلن تأخذ من اسمها الكثير، رياض الحضارة والتحديث والحياة الطبيعية واإلنسانية الرائعة.

 ??  ?? تلميح وتصريح
تلميح وتصريح

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia