اعرف احلق تعرف أهله
لــطــاملــا كــــان الــحــق جــلــيــا واضـــحـــا وضـــــوح الــشــمــس لدى البعض، وخفيا متواريا لدى آخرين، املعادلة بسيطة: اعرف الحق تعرف أهله، فالحق ال يعرف بالرجال، بل الرجال من يعرفون بالحق، لذا إياك أن تغتر بسمعة الرجال وشهرتهم فتغمض عينيك وتتبعهم دون تمييز بــن حــق وباطل، اعرف الحق تعرف أهله واعرف الباطل تعرف أهله، الحق الواضح الجلي تعرفه الـروح النقية التي تجعل من القيم اإلنـسـانـيـة السليمة مقياسا حقيقيا ووحـــدا للحكم على األمــور بتجرد تــام، دون الحاجة التـبـاع حـشـود، أو رجال بعينهم لتقنع نفسها أنها على حق. الـــحـــق الــــواضــــح الــجــلــي ال يــحــتــاج لــتــبــريــرات أو أقنعة لتستسيغه الــروح، الحق الواضح الجلي دومـا اتباعه قلة فــال تـغـرنـك الــكــثــرة، قــال أمــيــر املـؤمـنـن عـلـي بن أبـــي طــالــب رضـــي الــلــه عــنــه، «ال تستوحشوا طــريــق الــحــق لــقــلــة ســالــكــيــه»، بـــل إن حتى الــقــرأن الـكـريـم ذم هــذه الـكـثـرة الـعـدديـة في كــثــيــر مـــن املـــواضـــع إشـــــارة لــذلــك فـــي قوله تعالى: «وأكثرهم الفاسقون».. «وأكثرهم ال يعقلون».. «وأكثرهم الـكـافـرون».. «وأكثرهم لـلـحـق كــــارهــــون».. «وأكــثــرهــم كــــاذبــــون».. «بل أكثرهم ال يؤمنون».. «ولكن أكثرهم يجهلون».. إلخ، بينما نـجـد أن الــقــرآن نفسه قــد امــتــدح الـقـلـة فــي مواضع أخــرى فـي قوله تعالى: «ومــا آمــن معه إال قليل».. «وقليل من عبادي الشكور».. «إال الذين أمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم» إذا فإن الكثرة لم تكن يوما دليال على الحق. املـــعـــادلـــة الـــثـــانـــيـــة ملـــالمـــســـة الــــــــروح للحق والـــحـــقـــيـــقـــة، هــــي االنــــفــــصــــال الـــكـــامـــل عن كـــل زيـــف وبـــاطـــل، حــتــى يـتـسـنـى لـــك رؤية الحقيقة بــوضــوح فــال يمكنك رؤيـــة الحق واضحا حتى تنفصل عما دونه، فال تختلق التبريرات أو املسوغات ألي باطل على حساب الحق، لتجمع بينهما؛ ألن هذه املبررات ما تلبث إال أن تنقلب غشاوة تعمي البصر والبصيرة عن رؤية الحق وأهله. املـعـادلـة الثالثة هـي االنــســالخ الـتـام عـن الظلم والظاملن، فالظلم هو أكبر متاهة قد تقع فيها الروح فتتوه فيها عن رؤية الحق والحقيقة الساطعة فكما يتوه البعض في عتمة الـلـيـل، ينعمي الـبـعـض مــن ضـيـاء الــنــور ال لــشــيء، إال ألن روحه اعتادت على الظلمات التي ال تهوى هذا النور، هذا االنسالخ ال يكون إال بالتبرؤ التام من الظاملن وأعمالهم حتى ال تكون شريكا في ظلم قد ينقلب يوما إلى ظلمات باطنية تحجب عنك كل حق وحقيقة. املعادلة الرابعة: إذا كنت وال بد أن تكون متعصبا فال أجمل من أن تكون متعصبا للحق لذاته، أن تكون متعصبا للحق ال الرجال فهذا التعصب الوحيد هو املطلوب لنصرة الحق والحقيقة في كل زمان ومكان.