الفقه املنسي

أيـام معدودات ويظلنا شهر الصوم بنفحاته، وال يشك مسلم أن كــل الـشـهـر خــيــر، إال أن الــغــالــب األعـــم عـلـى وجــــدان بعض املنتمني لهذا الدين اشتغالهم على الشكليات، والتركيز على فقه العبادات، وربما شيء من فقه املعامالت بحكم أن البعض يجعل رمضان حوال لزكاته، وهذا عمل طيب. من املظاهر التي تبدأ اآلن، تهيئة املساجد بالفرش، وتزبيط مكبرات الصوت ليبلغ صداها أوسع مساحة، والتموين بمياه الشرب، والبعض يحرص على البخور، ويظل البحث عن إمام صيت الشغل الشاغل، كون عذوبة التالوة جاذبة للناس، وإن كان اإلمام حافظًا فخير إلى خير، وربما تسمع ثالثة أو أربعة يتحدثون بعد صالة عصر عن املبالغ التي سيجمعونها فرقة لـهـذه األغــــراض نـاهـيـك عــن املـتـبـرعـني، والــكــل عـــازم عـلـى ختم القرآن، وعلى القيام والتهجد والتراويح كل ليلة، وهـذا عمل طيب. ال يخفى على القارئ الكريم أن الزهاد من السلف الصالح كانوا إذا أظلهم شهر الصوم خلوا بأنفسهم في أماكن ال يعلم عنها أحد، وال يدري بما يفعلون مخلوق، ويعتمدون برامج عبادية ال يعلم بها إال الله، من صلوات، وذكر، وقراءة قرآن، وحسنات أخرى بحسب حال كل منهم. كم عدد آيات العبادات في القرآن؟ ربما ال تتجاوز ٠11 آيات، مـن أصــل 6٣٢6 آيــة، والبقية منها عـقـائـد، ومنها معامالت، ومنها توجيهات، وأخبار، وقصص. هـــل ســألــنــا أنــفــســنــا «مـــــاذا عـــن الــفــقــه املـــنـــســـي»؟، أعــنــي الفقه األخـالقـي. أزعـم أن كثيرين ال يفكرون مع اقتراب رمضان عن عللهم وأدوائهم األخالقية، فاأليام واألحوال تمرض، ورمضان فرصة كبرى لالرتقاء بأخالقنا وسلوكياتنا. كل مسلم مؤمن بأن النبي عليه الصالة والسالم قدوته، وهذا حـق امـتـثـاال لقوله تعالى «لقد كــان لكم فـي رســول الله أسوة حسنة» وبـسـؤال املسلمني مـا هـي أخــالق النبي عليه السالم، سيجيبون بــأن خلقه الــقــرآن، ومــا هـي أخــالق الــقــرآن؟ أخالق القرآن الصدق، والعدل، واألمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، وحفظ حقوق األيتام والضعفاء، واإلحسان، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. فما نصيبنا في رمضان من األخالق الراقية، والسلوك الحسن، كـون الفالسفة يــرون أن الهدف من الطب الصحة، ومن العسكرية االنتصار، ومن التجارة الربح، وغاية الصوم الفضائل األخالقية والسلوك السوي. ربما ال يفكر مسلم كثيرًا في آيات الوحي.