Okaz

ترمب قلب طاولة عوملة التجارة الدولية... رأسا على عقب

-

بحجة إيجاد توازن في املكاسب االقتصادية بني الواليات املتحدة األمريكية وشركائها الـتـجـاري­ـني، بــدأ الـرئـيـس األمــريــ­كــي ترمب واليته قبل أكثر من عام مضى، بإلغاء أو التلويح بإلغاء مختلف االتفاقيات الدولية؛ إذ إنه يراها غير عادلة؛ من خالل تحيزها للشركاء على حساب املصلحة األمريكية، ويــذكــر عـلـى الــــدوام الـحـجـم الكبير للفائض التجاري العاملي مع بـالده والـذي يصل إلى )800( مليار دوالر. ولــذا فـال يمكن االسـتـمـر­ار فـي ذلــك، وعلى األخــص تلك االتفاقيات املبرمة مع الدول الكبرى التي تحقق فائضا تجاريا لصالحها أمام الواليات املتحدة. ولقوة الواليات املتحدة االقتصادية، لم يكن هناك بد من ِْ

َِّ أن يخضع شركاؤها التجاريون ملبدأ إعــادة التفاوض

َِّ حول كل ما من شأنه تحقيق التوازن مليزانها التجاري. بل وأكد في أكثر من مناسبة، بأنه سينتصر وبسهولة في أية معارك تجارية مع أي من الشركاء. فبعد أن ألغى اتفاقية «النافتا»، وهي اتفاقية التجارة الحرة بني كل من أمريكا وكندا واملكسيك، وأصــر على إعادة التفاوض حولها، أصر أيضا على تجميد، وإلغاء قـــادم التــفــاق املـشـاركـ­ة عـبـر دول املـحـيـط الــهــادئ، وهو االتفاق الذي يضم اثنتي عشرة دولة، بما فيها الواليات املتحدة، بحجة أنه سيتسبب في خسارة حوالي مليوني وظيفة في الواليات املتحدة. وكان ذلك االتفاق يهدف ــ من بـني ما يهدف إليه ــ إلـى تحييد النمو االقتصادي املتسارع للصني، ومحاوالت زحفها لتحتل مكانة أكبر اقتصاد في العالم، خالل العقود املقبلة. ولــم يكتف الرئيس ترمب بـذلـك، بـل جـمـد أيـضـا اتفاق الــتــجــ­ارة بــني دول املــحــيـ­ـط األطــلــس­ــي الــــذي كــانــت دول االتحاد األوروبي أصال مترددة في قبوله. ولوح مؤخرا بــنــيــت­ــه إلـــغـــا­ء عــضــويــ­ة الـــواليـ­ــات املــتــحـ­ـدة فـــي منظمة الــتــجــ­ارة الــعــامل­ــيــة، مــطــلــق­ــا عـلـيـهـا لـقـب «أم الكوارث»، وبالتالي فمن كان يهدده برفع قضايا ضد أمريكا في املنظمة يعرف مسبقا النتيجة. إذا فالرئيس ترمب استطاع من منطلق القوة األمريكية ــ كونها أكبر اقتصاد عاملي وأكبر شريك تجاري عاملي

ا أن يقلب الطاولة على الجميع، فما كان من الدول األخرى، والكبرى منها، على األخص، إال أن تنصاع ملطالبه، وتقبل بشروطه، وتظهر اقتناعها بحججه ومبرراته لفتح جميع امللفات. وفي زحمة انشغاالته متنقال بني مختلف األزمات السياسية التيتواجهه ا،قامبتهديدم­نظمةأوبك؛ إذ زعــم أنــهــا تـدفـع بـأسـعـار النفط إلــى االرتــفــ­اع لتبلغ مستويات مصطنعة منه، وأن هذا التصرف، غير مقبول لديه على اإلطالق.

ًَِّّ ولم تنته سلسلة اإللغاءات التي اتخذها تجاه مختلف االتفاقيات الدولية، بل اتـجـه أيضا إلـى تطبيق فعلي

ُْ لبعض اإلجـــــر­اءات الـتـي اتـخـذهـا أو سـيـتـخـذه­ـا، وهي التي تعد بمثابة العصا التي يلوح بها تجاه شركائه التجاريني. ومــن تلك اإلجـــراء­ات فــرض رســوم جمركية على واردات الواليات املتحدة من الصلب واألملونيو­م، )%15،%25( مـــقـــدم­ـــا «الـــــجــ­ـــزرة» لـبـعـض الــــــدو­ل، وهي إعــفــاؤه­ــم مــؤقــتــ­ا مـــن تــلــك الـــرســـ­وم. فــكــان أِن استثنى شـركـاءه فـي اتـفـاق النافتا (كـنـدا واملكسيك)، واستثنى أيضا مؤقتا االتـحـاد األوروبـــ­ي وبعض الــدول األخرى ملــدة شهر مـايـو الـحـالـي. وربــط هــذا االستثناء بجدول زمــنــي، يعتمد على مــدى الـتـقـدم الـــذي يـتـم إحـــرازه في املفاوضات التجارية الثنائية. أما الصني فلم تحظ بأية استثناءات؛ بحجة أن ميزان التجارة بني البلدين في صالح الصني بما ال يقل عن )200( مليار دوالر. وأعـلـن األسـبـوع املاضي عن بداية تفاوض ثنائي بني البلدين للتوصل إلى اتفاق يقلص الفائض التجاري للصني مقابل الواليات املتحدة. ويستند الرئيس ترمب في قيامه بهذه الخطوات التي فاجأت العالم إلى حجج عديدة منها: أوال: ضعف اإلدارات السابقة في تفاوضها مع الشركاء التجاريني، وتنازلها عن مصالح أمريكية جوهرية في ( مجال حرية التجارة، ولذلك يرى أن تلك االتفاقيات ما كان ينبغي أن تعقد أصال. ثانيا: اعتقاده أن شعاره الذي تبناه منذ بداية رئاسته: «أمـــريـــ­كـــا أوال»، لـــن يــتــحــق­ــق فـــي ظـــل اســـتـــم­ـــرار فقدان الوظائف األمريكية؛ ولذلك فلن يكتفي بما حققته إدارته من تخفيٍض ِلِنسبة البطالة بني األمريكيني إلى )%3.9( مؤخرا ــ وهو أدنى مستوى بلغته منذ عقود مضت ــ بل سيسعى إلى مزيد من التخفيض لتلك النسبة. وشـعـار «أمريكا أوال» خطير فـي مضمونه، وقــد يدفع بأمريكا إلى حالة من العزلة ال منتهى لها، وال تستطيع تحملها؛ إذ إن تجارتها مع دول العالم جوهرية، وهي املحرك الرئيس للنمو االقتصادي فيها. والرئيس ترمب يعرف ذلك، لكنه ــ ومن خالل خبرته الطويلة كصاحب شــركــات ومــؤســسـ­ـات تــجــاريـ­ـة ــــ يـسـتـخـدم هـــذا التكتيك التفاوضي ليحصل على ما يريده؛ بإعطاء انطباع بأنه غير مهتم بما يـحـدث للعوملة االقتصادية، أو ملنظمة التجارة العاملية، أو ألية جهة دولية تقف أمام تحقيقه ملا يسميه بـ «التوازن في التبادل التجاري العاملي». وختاما، وبانتظار ما ستسفر عنه مختلف املفاوضات التجارية بني الـواليـات املتحدة وشركائها التجاريني، وعلى رأسـهـم الـصـني، تـسـود حالة مـن الـتـرقـب والحذر العاملي، بل والتخوف من االنجرار نحو حروب تجارية مـسـتـدامـ­ة ال يعلم أحــد مـتـى تـتـوقـف. وهــي حــالــة، وإن بــدأت بشركاء الــواليــ­ات املتحدة الرئيسيني، غـيـر أنها قد تتوسع بشكل كبير، وقـد تأخذ أشـكـاال متنوعة من أجل تحقيق ترمب ألهدافه في هذا املجال. وال أستبعد دخــول دولنا العربية والخليجية بالتحديد طرفا في هذه الحروب التجارية. وأرى أن الهجوم على أوبك ما هو إال مقدمة لذلك؛ مما قد ينذر بتعرض شركاتنا في الـواليـات املتحدة للمعاقبة القانونية، وخاصة إذا ما قررنا طـرح أرامكو في سـوق نيويورك، وهـو أمـر يجب الحذر منه.

 ??  ?? طالبات التمريض الفلسطينيا­ت في قطاع غزة يحتفلن باليوم العالمي للتمريض. أ. ف. ب )
طالبات التمريض الفلسطينيا­ت في قطاع غزة يحتفلن باليوم العالمي للتمريض. أ. ف. ب )
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia