كوريا: عداوة اإلخوة.. ولقاء اخلطوة!
يــــوم الــجــمــعــة قــبــل املـــاضـــي اجــتــمــع زعيما الكوريتني ( الشمالية والجنوبية ) على خط الهدنة الفاصل بـني الـدولـتـني، عقب الحرب الكورية 3٥91، لتدبر إمكانية التغلب على حالة العداء بـيـنـهـمـا، الــتــي اســتــمــرت لــخــمــٍس وســتــني ســنــة. مــن قبل الـتـاريـخ ( 2٤00 ق. م ) وشـبـه الـجـزيـرة الـكـوريـة، تشكل وحـــدة سـيـاسـيـة ألمــة واحــــدة، تــطــورت إلــى إمبراطورية قــويــة، فــي الــقــرن الـسـابـع عـشـر، تعاقبت عليها ساللتان إمبراطوريتان كبيرتان، حتى تم احتالل شبه الجزيرة، مــن قــبــل الــيــابــان ( 1910 )، الــــذي اســتــمــر حــتــى هزيمة اليابان في الحرب العاملية الثانية ( أغسطس ٥٤91 .) فــي شــرق آسـيـا والـهـنـد الصينية، شـهـدت ڤيتنام وشبه الجزيرة الكورية، أشد بؤر نظام الحرب الباردة سخونة، في العالم بني املعسكرين: االشتراكي والرأسمالي. بينما كانت ساحة املواجهة بني الدولتني العظميني ( االتحاد السوفيتي والواليات املتحدة )، في شبه الجزيرة الكورية، أبكر في اندالعها، من ڤيتنام، إال أن جبهة ڤيتنام حسمت لصالح الشيوعيني عـام ٥791، بتوحيد شطري ڤيتنام بالقوة، بينما استمر الوضع معلقًا، بل ومتوترًا، في شبه الجزيرة الكورية، إلى اآلن. من أهم ما يجمع تجربتي فيتنام وشبه الجزيرة الكورية، اإلجـمـاع بـني طرفي الـنـزاع املحليني، على وحــدة الكيان الـسـيـاسـي لــلــدولــة املـــوحـــدة. كـمـا أن الــصــراع فــي تجربة الـدولـتـني، لـم يستثن اللجوء إلــى الـقـوة لفرض إرادة أي من النظامني الحاكمني، بأيدلوجيتهما غير املتسامحة، على شعب الدولتني الواحد. إضافة إلى التأثير املباشر والقوي، للمتغير الخارجي، في حركة الصراع املحتدمة بني شقي األزمة في كل من تجربتي ڤيتنام وشبه الجزيرة الكورية. فـــي مـــا يــخــص تــجــربــة شــبــه الـــجـــزيـــرة الـــكـــوريـــة، طغى الــصــراع الـعـقـائـدي بــني بـيـونـغ يــانــغ وســيــول، بخلفيته األيـديـولـوجـيـة املـتـطـرفـة، عـلـى الـهـويـة الـوطـنـيـة للشعب الــكــوري. تشهد كــوريــا الشمالية مـنـذ االســتــقــالل نظاما اشتراكيا صارما بزعامة الحزب الشيوعي، يعد من أشد األنظمة الشمولية قسوة وعزلة، في العصر الحديث. كما تطور فـي الشطر الجنوبي، فـي الـبـدايـة، نظام رأسمالي تحكمه «طغمة» عسكرية، ال يقل قسوة وشمولية عن ذلك الذي يحكم الشطر الشمالي من شبه الجزيرة. إال أنــه ومـنـذ منتصف ثمانينات الــقــرن املــاضــي، تطور في كوريا الجنوبية نظام ديمقراطي تعددي، التقى مع الـنـهـضـة الــرأســمــالــيــة، الــتــي شـهـدتـهـا الــبــالد مـنـذ نهاية الحرب الكورية خمسينات القرن املاضي، لتصبح كوريا الـجـنـوبـيـة فــي مـقـدمـة الــــدول الـصـنـاعـيـة املـتـقـدمـة، التي يتجاوز نصيب الفرد من الناتج القومي 1٤ ألف دوالر، لتحتل املرتبة 11 بني مجموعة الــدول العشرين األغنى عـاملـيـًا. بينما ال يـتـعـدى نصيب الــفــرد 1100 دوالر من الـنـاتـج اإلجـمـالـي فـي كـوريـا الشمالية. فـي حـني أن عدد الـسـكـان فــي كــوريــا الـجـنـوبـيـة يـتـعـدى الخمسني مليون نــســمــة، بـيـنـمـا ال يــتــجــاوز نــصــف هـــذا الــعــدد فــي كوريا الــشــمــالــيــة... فــي الــوقــت الـــذي تسيطر بـيـونـغ يــانــغ على ضعف املساحة من شبه الجزيرة الكورية مقارنة بمساحة كوريا الشمالية. هـــذه الــفــروق الـــحـــادة، مــن جـمـيـع الــنــواحــي، بــني دولتي شبه الجزيرة الكورية، جعل الصراع في تلك املنطقة من أكثر بـؤر التوتر، الــذي استمر إلـى اآلن. من خطورة هذا الــصــراع اإلستراتيجية، أنــه: يـتـجـاوز محيطه اإلقليمي الضيق، إلى منطقة شرق آسيا. ومما يجعل الصراع في شبه الجزيرة الكورية خطرًا إستراتيجيًا ناجزا على سالم العالم وأمنه دخول الواليات املتحدة كطرف إستراتيجي، معني مباشرة بالترسانة النووية لكوريا الشمالية، بعد أن نجحت بيونغ يـانـغ مـؤخــرًا مــن تطوير قــدرة نووية ضــاربــة مجهزة بنظام تـوصـيـل، تمت تجربته بنجاح، بإمكانه أن يهدد ليس فقط غــرب الــواليــات املـتـحـدة، بل يصل إلـى وسطها... وحتى إلـى ساحل املحيط األطلسي شرق الواليات املتحدة. بهذا البعد اإلستراتيجي الخطير للنزاع في شبه الجزيرة الــكــوريــة، الــــذي يــهــدد ســـالم الــعــالــم وأمـــنـــه، ولــيــس فقط االستقرار في شبه الجزيرة الكورية ومنطقة شرق آسيا، لــم يـكـن مــن خـيـار أمـــام شعبي األمـــة الــواحــدة، إال النظر بجدية لفرص اللقاء بينهما، الستحالة تصفية النزاع بينهما، وفـقـًا ملعطيات النظرية الـصـفـريـة، الـتـي شابت عالقاتهما، منذ االستقالل. لم تفلح العزلة السياسية والحصار االقتصادي املفروض على كوريا الشمالية، بالرغم من شدة وطأته على أكثر من ٥2 مليون إنسان. كما لم تفلح تهديدات الواليات املتحدة بالتخلص مـن إمكانات كـوريـا الشمالية اإلستراتيجية غير التقليدية، ال بتقديم الجزرة.. وال التهديد بالعصا. كـل تلك املــحــاوالت اإلقليمية والـدولـيـة لـم تفلح فـي حل النزاع املحتدم في شبه القارة الكورية، الذي يتوقف عليه نزع فتيل األزمة عامليًا. لم يبق إال محاولة الخطوة األخيرة للتقارب بني الدولتني، التي رسمت معاملها الرمزية واإلستراتيجية، تلك الخطوة التي عبر بها زعيم كـوريـا الشمالية الـقـوي خـط الهدنة بني الدولتني ليلتقي بـ «شقيقه» على الجانب اآلخـر من الـخـط، ليبدو للعالم، وألول مــرة منذ أكـثـر مـن ٥6 سنة من الصراع، الـذي تعدى خطره منطقته إلى العالم، بأن الحل هو أقرب مما يتصور الكثيرون، ال يتجاوز مسافة الخطوة الــواحــدة، يخطوها شقيق تتقبل بترحاب، من شقيقه، على الجانب اآلخر. إال أن األمر، من شدة تعقيداته وحساسيته وخطورته، من الصعب توقع حله برمزية الخطوة ورومانسيتها. في املقابل، من ناحية أخرى، أليس يقال: أن مشوار األلف ميل يبدأ بخطوة واحدة. في كل األحوال: املسافة بني األشقاء، ال تـتـعـدى الــخــطــوة الـــواحـــدة، رغـــم مــا قــد تـبـاعـد بينهم األميال. *كاتب سعودي