كذا يشترون السعادة.. فكانت لهم!
كعادتي في نهاية األسبوع خرجت مـن منزلي فـي الـوقـت نفسه تقريبًا أخــــــذت الـــــشـــــوارع نــفــســهــا متوجهًا إلــى املـكـان نفسه الــذي اعـتـدت أن أجلس فيه في عطلة نهاية األسبوع.. توجهت نحو املقعد.. الذي جـلـسـتً عـلـيـه األســبــوع املــاضــي، لكنني وجدته مشغوال فقد جلس إلى الطاولة زوجان عجوزان في أواخـر الثمانني من عمريهما أعرفهما جيدًا غير أننا لم نلتق منذ زمن طويل كانا يجلسان مـتـجـاوريـن بـألـفـة وهـمـا يــرتــديــان ثـيـابـًا نظيفة وأنيقة تشبه ثياب العيد..كانت العجوز كأنها قمر من الفانيال األشقر في قالب شوكوال وكان هو بجوارها بقامته املديدة ووسامته الذكورية املـخـمـلـيـة كــأنــه يــتــضــوع فـــي مــــرأب الـــعـــاج كانا يتحدثان مع بعضهما البعض بحب كمركب من القطن..كان يحدثها كعصفور محلق بجناحيه في األثير وكانت تجيبه بصوتها الرفيع كخيط الحرير.. كان هناك تجاذب مضيء بينهما مثل عـقـد الـكـهـرمـان الـــذي كــانــت تلبسه أمـهـاتـنـا في صدورهن فيضيؤها بالليل مثل نور الكهارب.. حــروف وكـلـمـات تنتقل بينهما كعطر متضوع يـــــــراود مــــــزالج قــلــب مـــتـــوحـــد.. كـــانـــت السعادة كـالـفـيـضـان تـتـنـزه بينهما تظهر كـشـعـاع يعبر نــافــذة الـــــروح.. شــعــور كــاســح كـــان يـتـصـاعـد في أعماقي ويـطـرح أسئلة أخــذت أرتبها فـي عجلة قـــاطـــرة الــــوقــــت.. هـــل الـــســـعـــادة ارتـــــــــداد؟ أم هي معانقة ملــا استصفته الــذاكــرة وقــطــرة الوجدان لـتـكـون األبــقــى فــي رحـلـة مــالقــاة الــعــدم؟ وماهي الـسـعـادة؟ فتشت فـي معظم مـا عرفته مـن أقوال عــن الــســعــادة مــن غــانــدي إلـــى الـحـكـيـم الصديق الدكتور وليد اليافي وجــدت في كل قـول حاجة مختلفة فغاندي يـرى أن السعادة هـي أن يكون ما تفكر وما تقول وما تفعل في انسجام..البرت أنشتاين يعتقد أنـهـا طـاولـة وكـرسـي ووعـــاء به فاكهة وكـمـان أوســكــار ويـلـد قــال كيف تستطيع املــــرأة أن تــكــون سـعـيـدة مــع رجـــل يـفـتـرض فيها املثالية.. هيرمان كاين يتصور أن النجاح ليس هو املفتاح إلى السعادة لكن السعادة هي املفتاح إلــى الـنـجـاح هيلني كلير الـسـعـادة بالنسبة لها لــيــســت فـــي غــيــاب املــشــاكــل بـــل فـــي الـــقـــدرة على التعامل معها.. بوزا قال يمكن إضاءة ألف شمعة باستخدام شمعة واحــدة من دون أن يقصر ذلك من عمرها فمشاركة السعادة مع اآلخرين ال تقلل منها.. ناثيل هادثرون السعادة مثل الفراشة في حال الحقتها فلن تمسك بها ولكن إن كنت هادئًا ستأتي وتحط على كتفيك الحكيم وليد اليافي كتب لي يا أبافراس السعادة فيما تمارسه يوميًا فما تـمـارسـه يوميًا ســوف تتقنه بـكـفـاءة عالية فـعـنـدمـا تــمــارس الــقــلــق سـتـقـلـق ألتــفــه األسباب وعندما تمارس الغضب ستغضب بدون سبب.. لــذا مـــارس الطمأنينة لتتقن السكينة ومارس التفاؤل واألمــل لتتقن راحـة البال ومــارس الثقة وحـسـن الـظـن بالله فــي حياتك تنعم بالسعادة واألمن والخير.. من تجربتي الشخصية الحظت أن الـــســـعـــادة قـــد تــجــدهــا فـــي املــعــامــلــة الجيدة لشريك الـحـيـاة املعاملة الـجـيـدة لشريك الحياة تجعل الزوجني أكثر صحة وسعادة.. يظل منظر الـعـجـوز أن فــي ذلــك املـقـهـى أعـظـم مــن كــل العمر وأغـلـى مـن آخــر قـطـرة فـي صنبور الـحـيـاة.. كان االثـنـان مالئكة تستند على جــدار القلب تحكي وتـهـدل كالحمام.. كــذا يشترون السعادة فـي كل مراحل العمر.. فكانت لهم!