Okaz

األوليجارك­ية األمريكية..!

-

عندما ننظر إلـى الساحة العاملية الراهنة، مستفسرين عن أهم ما يجري فيها وعليها في وقتنا الحالي، سنصدم من الوهلة األولــى، عندما تتبن لنا وأمامنا بعض «الحقائق» املفزعة عن الوضع السياسي العام للقوى العظمى والكبرى في العالم، واملسار الذي تسير فيه هذه القوى، خدمة ملا يظن أنه مصالحها، وتحقيقا ألهدافها، ناهيك عن خدمة األمن والسلم الدولين. وتتضاعف الصدمة عندما نرى أن هذه القوى تبلغ بها األنانية حدًا، يجعلها ال تعطي أي اهتمام حقيقي ملصالح العالم من حولها، وال تلقي باال ألهم احتياجات البشرية من األمن والرفاه. كل ما يهمها ما تعتبره الفئة الحاكمة فيها مصالحها، التي تلصق بالدولة ككل.. فتصبح مصالح تلك الـدولـة وباسمها، رغــم أن ذلــك ادعــاء يعتبر جــزءًا ال يتجزأ من السراب السياسي، الذى يصدقه بعض الناس، ويسلم بصحته العامة. أنــظــر، عـلـى سبيل املــثــال، كـيـف تـتـاعـب قـلـة أولـيـجـار­كـيـة بــالــدول­ــة العظمى األولـــى فــي عـالـم الــيــوم. ولفظة «األولـيـجـ­اركـيـة» تشير إلـــى: انــفــراد قلة ذات مصالح خاصة بالسلطة، أو بقدر منها، والحكم بما يخدم هــذه املصالح. وهى عرض يصيب كل األنظمة السياسية، بنوعيها الرئيسن. ولكن حدته تظل أقـل -كثيرا- في النظم التمثيلية. وياحظ تصاعد في هـذه الحدة في أمريكا. فالقلة األوليجارك­ية تسير األمور في أمريكا في الوجهة التي تضمن وتخدم مصالحها هي أوال، غير مكترثة بمطالب ومصالح الغالبية الشعبية األمريكية، كما يجب، وكما ينبغي. ويمكن بسهولة تبن طبيعة هذه القلة التي تهيمن منذ عقود على أمريكا وماهيتها. وعبر هذه السيطرة تهيمن على العالم، وعلى كثير من مجريات األحــداث فيه. إنها القلة األوليجارك­ية األمــريــ­كــيــة، ومـــن ضـمـنـهـا الــقــلــ­ة الـصـهـيـو­نـيـة، وأتــبــاع­ــهــا مــمــن تـصـهـن من األمريكين.. إما إيمانا بالصهيونية، أو نفاقا لها، ورغبة في االنتفاع منها.

*** إن عدد اليهود في أمريكا ال يزيد على خمسة ماين نسمة، من ضمن 5٣٣ مليونا هم مجموع سكان الواليات املتحدة؛ أي بما نسبته %١.5 من إجمالي األمريكين. وغالبية هؤالء صهاينة، يدعمون اغتصاب فلسطن. قلة من هؤالء ترفض هذا االغتصاب وتتبرأ منه. ورغم صغر عدد األقلية اليهودية النسبي إال أن هـذه القلة تمتلك قــدرا هائا مـن املــال والعلم والـجـاه فـي الـبـاد.. مما جعلها تحوز على نسبة كبرى من القوة والنفوذ، ومكنها من السيطرة على مفاصل السياسة واالقتصاد واإلعام في أمريكا. وذلك أدى المتاكها ألقوى جبهة ضغط سياسي في أمريكا )IPAC( بعد ما يسمى بـ «التحالف العسكري – الصناعي» ‪Industrial Complex(‬ – ‪)The Military‬ الذي ما زال يعتبر أقوى لوبي في عالم اليوم، والــذي يمثل (ضمنا) معظم القلة األوليجارك­ية التي نتحدث عنها هنا. قوة صهاينة أمريكا مكنتهم، بالتعاون مع األوليجارك­ية األمريكية األوسع والــتــي هــم جــزء مـنـهـا، مــن الهيمنة عـلـى الـغـالـبـ­يـة األمــريــ­كــيــة. وسـهـلـت لهم التحكم في حكومات أمريكا، وفي العالم، والعمل على تحقيق ما يعتقدون أنه مصلحتهم، ويسمونه هم «مصلحة أمريكا».. وليت هذه املصالح خيرة، وتتوافق مع مصلحة الغالبية األمريكية، وال ضرر فيها آلخرين. ولكن، ثبت أن معظم هـذه «املصالح» تعود بعدم الفائدة والـضـرر على غالبية الشعب األمريكية.. الذي يعتبر الضحية األولى لسيطرة هذه القلة األوليجارك­ية على مقاليد األمور في باده. *** تستغل هذه القلة ما يوجد في النظام السياسي األمريكي الراهن من فرص وثغرات للتسلل إلى السلطة األمريكية، وعبر صناديق االقتراع.. تبذل املال والجاه والنفوذ إليصال بعض أعضائها، أو املخلصن لها من خارج القلة نفسها، لـسـدة الـسـلـطـا­ت الــثــاث وغـيـرهـا. إذ تـسـهـم، بـكـل مــا لـهـا مــن سطوة ونفوذ، في دعمهم، وضمان فوزهم في االنتخابات. وبعد أن يصلوا، تطالبهم بـ«رد الجميل». بل إن هؤالء األنصار يتفانون، عندئذ، في خدمة هذه القلة، وتحسس رغباتها، واالستجابة الفورية ملطالبها وتطلعاتها.

*** لقد شوهت هذه الطغمة املنتفعة ديمقراطية أمريكا، لدرجة بالغة اإلزعاج لنسبة كبيرة من األمريكين، ونسبة أكبر من متعلمي ومثقفي العالم. إن أكبر ضحايا هـذه القلة العابثة بمصائر البشر، هي -كما أشرنا- الغالبية األمريكية، ومصالحها الحقيقية. وأكبر جرائمها وتجاوزاتها هي تلك التي ترتكب خارج حدود الواليات املتحدة، وتطال شعوبا وأمما بريئة (مأساة فلسطن في مقدمتها) وترتكب باسم أمريكا، وغالبية الشعب األمريكي من وزرها براء. إن الحدة املتصاعدة لهذه الظاهرة تمثل مشكلة لكثير من الديمقراطي­ات الحالية.. وسببها الرئيس هو: تغول بعض جماعات املصالح بهذه الدول في األنظمة السياسية، وضغطها في اتجاهات ال تخدم مصالح األغلبية في دولها، كما يفترض ويتوجب من أي نظام ديمقراطي. ولن تشفى هذه الــدول ما لم تتم معالجة هـذا الخلل في كيفية الـوصـول إلـى السلطة فيها. البــد مـن قـوانــن صـارمـة تـحـول دون وصــول انـتـهـازي­ـن ومـرتـزقـة للسلطة، وتلغي (ألقصى حد ممكن) تأثير املال – التمويل – على نتائج االنتخابات املختلفة.

 ??  ?? د. صدقة يحيى فاضل * sfadil50@hotmail.com
د. صدقة يحيى فاضل * sfadil50@hotmail.com

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia