Okaz

احلرب التي لن تأتي

- عبدالرحمن الطريري * ‪Twitter: @aAltrairi‬ ‪Email: me@aaltrairi.com‬ * إعالمي وكاتب سعودي

استبقت إيران الخروج املتوقع من قبل الواليات املتحدة من االتفاق النووي، بالقول بأنها باقية في هذا االتفاق ما بقي األطراف األخرى، مع إطالق تصريحات على مستويني؛ األول للواليات املتحدة واآلخر لجميع األطراف اإلقليمية وبالطبع للدول الخمس الباقية في االتفاقية. وجود الخطابني بداية يوحي للبعض بأن هناك بالفعل محافظني وإصالحيني في إيـران، وأن نقض االتفاق يعني عودة املحافظني املتشددين للحكم، وبالتالي يحرقون العلم األمريكي واالتــفــ­اق الـنـووي داخــل الـبـرملـا­ن، فـي مسرحية هزلية، خصوصا إذا ما عدنا بالذاكرة قليال وتذكرنا صور «السيلفي» بني نواب نفس البرملان ووزيرة خارجية االتحاد األوروبي السيدة فيدريكا موغريني، مما يعني أنه تيار محافظ صيفا وتقدمي شتاء. والحديث عن وجود خطابني وتيارين متنافسني في إيران، كان من أكبر الحجج التي ساقتها إدارة أوباما، لتقول إن االتفاق النووي فرصة لضم إيران إلى حظيرة العالم الطبيعي، وإعطاء رسالة لطهران مفادها أنها قد تحقق بالدبلوماس­ية ما اعتقدت أنها قد تحصل عليه بالسالح النووي. واملشكلة فـي هــذا الـطـرح الفهم الـنـاقـص لفكرة الـتـيـاري­ـن فـي إيـــران، فـــأوال هناك صالحيات اقتصادية وعسكرية وسياسية محصورة بخامنئي، وال يتدخل فيها أي تيار يحكم، كما أن هناك دولــة أكبر مـن الـدولـة وهــي دولــة الـحـرس الثوري، والذي عادة ما تكون ميزانيته بحجم ميزانية الدولة، وهذا الحرس الثوري يسير في مشاريعه اإلقليمية وتطوير الصواريخ، وكأن االتفاق ال يعنيه، ولهذا شهدت السنوات الثالث بعد االتفاق مزيدا من التمويل والتسليح للميليشيات التابعة إليران في العالم العربي. وعودة إلى الخطابني الصادرين من إيران، فإن هناك الخطاب الناعم الذي يوحي للعالم بأنها دولـة ديموقراطية تلتزم باتفاقيتها، وتنكر مخالفتها ملا ورد في االتفاق النووي، وتؤكد أنها التزمت بعدم مخالفة بنود خفض التخصيب، وهو الـخـطـاب الــذي يـتـنـاول الـحـاجـة االقـتـصـا­ديـة اإليـرانـي­ـة واملنفعة األوروبــي­ــة معا، ولكنه يتصادم مع الخطاب اإليراني اآلخر واألكثر عقالنية، والذي يقول أنه في حقيقة األمر «أن األوروبيني أضعف من أن يتصدوا لعواقب خروج واشنطن من االتفاق». ولهذا يتسم الخطاب املوجه للواليات املتحدة بالعنف الذي يأمل أن يكون تهديدا لـلـواليـا­ت املـتـحـدة للتراجع عـن مـزيـد مـن العقوبات االقـتـصـا­ديـة، وقــد قــال علي الريجاني رئيس البرملان اإليراني «يجب التحدث مع األمريكيني بلغة القوة فقط وال يوجد حل آخر». ولهذا السؤال عن ما هي خيارات إيران بعد خروج واشنطن من االتفاق النووي؟ وهذا يتبني من الوضع االقتصادي ومن الصفقات التي تمت خالل السنوات الثالث مع الشركات األوروبية، وبالعودة إلى نتائج االتفاق النووي، نجد أن االقتصاد اإليراني شهد نموا بما يقارب %6 في العام األول، وبعد نحو ثالث سنوات يقترب النمو من ،%12.5 مما يعطي داللـة لحجم الضغط الـذي كانت تمثله العقوبات، وبالتالي حجم االنهيار املتوقع مع عودة العقوبات في نوفمبر القادم، أو حتى قبل ذلك في موعد مراجعة العقوبات األمريكية بعد شهرين. كما أن معظم الصفقات التي قامت بها إيران، كانت تشير إلى حجم تخلف إيران عن ركب التقنية، فاحتاجت أن توقع صفقة مع شركة توتال النفطية الفرنسية، لتطوير ورفــع كـفـاءة تقنيات اسـتـخـراج وتكرير النفط، كما أن الصفقات تشير إلى النقص الكبير في الطائرات املدنية وقدم الطائرات املوجودة، ولهذا تسابق إيـــران الــزمــن ذعــرا مــن الـعـقـوبـ­ات، ومــثــال ذلــك تصريح «أصــغــر فخرية كاشان»، كبير مستشاري وزير الطرق بأن طهران تتواصل مع شركة «إيرباص األوروبية» املنتجة للطائرات في محاولة إلنجاز الصفقة، حتى الوقت املحدود املتاح قبل عودة العقوبات. كل هذه املؤشرات االقتصادية، إضافة لالنهيار الكبير في الريال اإليراني، يعني بالنتيجة مـحـدوديـة الـخـيـارا­ت العسكرية، ألن إيــران لـن تتحمل حربا مباشرة، ال تمتلك حتى قــدرة بيعها على الشعب، كما أن إيــران وعــت منذ نهاية الحرب مع صدام حسني، أنها لن تقوم بحرب مباشرة، وأن امليليشيات العربية التابعة ستقوم بما يكفي للحرب بالوكالة، وبالتالي الحديث عن حرب ليس إال دعاية من أطراف موالية إليران ضمن الخطاب الذي يسعى إليقاف العقوبات األمريكية. مــا زاد مــن مشكلة إيـــران قـبـل خـــروج واشـنـطـن مــن االتــفــا­ق، أن كــوريــا الشمالية قـــررت أن تصبح دولـــة غـيـر نــوويــة، وهـــذا يـضـع إيـــران فــي الــزاويــ­ة أكــثــر، كـمـا أن الضربة األمريكية الفرنسية البريطانية لسورية، كانت رسالة واضحة لطهران حــول مشروعها فـي سـوريـة، والـرسـالـ­ة الضمنية فـي هــذه الضربة أن روسـيـا لن تحمي املصالح اإليرانية، وأن وجود روسيا في سورية مرتبط بمصالح موسكو ومقاربتها مع الدول الكبرى. هــذا األمــر تـأكـد بعد عــودة نتنياهو مــن مـوسـكـو، وقــيــام الــطــائـ­ـرات اإلسرائيلي­ة بإطالق 100 صــاروخ على أهــداف إيرانية في سـوريـة، مما دمـر البنية التحتية اإليرانية في سورية، وهو األمر الذي يمنع إيـران من تحريك حزب الله في حرب مباشرة مع إسرائيل، ليس ألنها تريد أن تحمي املكاسب السياسية من االنتخابات األخيرة فقط، ولكن ألنها لو فعلت ذلك ستقتل فرصة بقاء أي طرف أوروبـي في االتفاق النووي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia