فقه املواطنة وتعرية «التطّرف»!
حسنًا فعلت أبوظبي حني استضافت وفـود األقليات املسلمة التي شملت قـيـادات دينية وشخصيات سياسية، وعلمية، وإعـامـيـة، قـِدمـوا مـن أكثر من 149 دولــة، من مشارق األرض ومغاربها، تحت مظلة املؤتمر العاملي لألقليات املسلمة، مؤكدة الرغبة في تعزيز انتماء املسلمني إلـى بلدانهم، وتعزيز هويتهم اإلسامية. وخــرج املؤتمر بتوصيات ركــزت على ضــرورة انتقال تلك املجتمعات من «فقه الضرورة» إلى «فقه املواطنة»، أي االندماج مع املحافظة على هويتهم، وعدم ذوبانها بالكامل في مجتمعاتهم الجديدة. ولــقــد أوصـــى املــشــاركــون بـاتـخـاذ عــدة خــطــوات عملية، كـاتـخـاذ التدابير الـازمـة ملعالجة الـظـروف املسببة النتشار التطرف واإلرهـــاب؛ ومضاعفة جهود املنظمات الدولية املعنية بالشأن الثقافي لتعزيز الحوار، والتسامح، والتفاهم بني األديان والحضارات، وحض القيادات السياسية والدينية من املسلمني على االمتناع عن خطاب التعصب ورسائله، والحض على تشجيع استخدام وسائل التواصل االجتماعي، ومنصات اإلعام املختلفة، لتغطية أخبار مسلمي البلدان غير اإلسامية، وتفعيل مجموعة من برامج التدريب ملجموعة من املؤثرين وقــادة الــرأي في املجتمعات املسلمة في الــدول غير اإلسامية، لنشر ثقافة التعايش املشترك والتسامح؛ وحض رجال األعمال واملؤسسات املانحة على دعم املبادرات التي تهدف إلى تعزيز قيم التعايش املشترك. وكــانــت لفتة موفقة مــن رئـيـس اللجنة العليا املنظمة للمؤتمر الدكتور علي النعيمي حني شـدد على ضــرورة االنتقال من فقه الـضـرورة إلـى فقه املـواطـنـة، معتبرًا أن فقه الــضــرورة «كــان مصطلحًا خـاصـًا بمكان وزمان معينني، واآلن أصبح املسلمون جزءا ومواطنني في مجتمعاتهم». وكشف النعيمي أن املجتمعات املسلمة في الخارج كانت تواجه خياري الذوبان واالنكفاء، موضحًا أن كليهما سيئان، ما يعني أن عليها إعادة التموضع واالندماج في مجتمعاتهم الجديدة التي يعيشون فيها، مع املحافظة على خصوصيتهم. وهنا ال يفوتني اإلشــارة إلـى أن رابـطـة العالم اإلسـامـي بحضور أمينها العام محمد العيسى جمعت قيادات الجاليات اإلسامية حول العالم في شهر رمضان املاضي ،2017 في مكة املكرمة لتعزيز رؤيتها الجديدة بشأن الــوعــي الـديـنـي والـفـكـري والــحــضــاري وضــــرورة االنــدمــاج اإليـجـابـي لدى األقليات املسلمة في بلدانها، محذرة من فقه التشدد ورسائل التطرف. *ومن أهم الجوانب التي أتاحها مؤتمر أبوظبي وتناولها، تشديد مشاركني كثر على «اختطاف جماعات اإلســام السياسي»، خصوصًا اإلخــوان املسلمني لإلسام مع وجود حركات ال تؤمن بشيء اسمه النظام أو الدولة، بل تؤمن بالفوضى والتخريب وترويج التشدد. وال شـــك فـــي أن تــمــدد جــمــاعــة اإلخــــــوان فـــي عـــدد مـــن دول أوروبـــــــا، تحت ستار اللجوء السياسي، ما زاد مخاوف السكان األصليني من وجــود تلك األقليات املسلمة بفعل نشاط األذرع األخطبوطية ملا يسمى التنظيم الدولي للجماعة، وهــذا ما انعكس عليهم في ما يعرف بظاهرة اإلساموفوبيا، والكراهية املتزايدة. وال يغيب عن البال أن معظم جماعات العنف وحركات التطرف التي تعاني منها املجتمعات اإلسـامـيـة وغـيـر اإلسـامـيـة خـرجـت أســاســًا مــن أدبيات جماعة اإلخوان، وهو أمر يتطلب املواجهة ووقفة حازمة من قادة األقليات املسلمة في أوطانهم الجديدة.