Okaz

ال زال العالم يردد: السعودية مصدر نفطٌّي موثوق ُيعتمُد عليه؟

-

لـــم نــســتــغ­ــرب إعــــالن املــمــلـ­ـكــة ـــــ مـــع إعــــالن الــرئــيـ­ـس ترمب االنــســح­ــاب مــن االتــفــا­ق الــنــووي اإليـــران­ـــي، ومـــا تـبـعـه من إعالن عقوبات اقتصادية صارمة على إيران ــ بأنها جاهزة لتغطية كل نقص في اإلمدادات العاملية من النفط. فاململكة كانت وال زالت صمام أماٍن لسوق النفط العاملية على َمِّر العقود. وعليه، فهذا اإلعالن ال يمثل ظرفا خاصا تتعامل معه اململكة في ظل التدخالت العدائية إليران في شؤون املنطقة، وإنما يمثل مبدأ من مبادئها التي يعترف بها العالم، وقد أخضعها لالختبار مرة تلو األخرى، فثبت أنها حقائق موثقة. وإذا عدنا إلـى أواخــر السبعينات )1979(، ومـع انطالق ثــورة الخميني وتوقف إنتاج النفط اإليـرانـي بالكامل، وتدهور اإلنتاج العراقي أيضا، تدخلت اململكة بكامل طاقتها اإلنتاجية ــ ومـا طـرأ على تلك الطاقة من تـوسـعـة وقـتـهـا ــــ ِلـتـقـلـل بـشـكـل كـبـيـر مــن جــمــوح أســعــار الــنــفــ­ط، وتعطي نوعا من االستقرار لألسواق، وإذا باألسعار تنخفض فورا من مستويات (‪)$39. ٥‬دوالر إلــى حــدود )$32( للبرميل. ولعبت اململكة دور اُملَرجح الرئيسِّي أو املرن من جهة إنتاجها، وبالتالي تحملت الجزء األكبر من العبء جَّراء تبنيها هذا الدور. وحــتــى حـيـنـمـا انــخــفــ­ضــت األســـعــ­ـار فـــي الــنــصــ­ف األول من الــثــمــ­انــيــنــ­ات، كــانــت الــســعــ­وديــة الـــدولــ­ـة الــوحــيـ­ـدة اُملْمت

ِثلة التفاق حصص اإلنتاج، في الوقت الذي انطلقت بقية الدول األعـضـاء في أوبــك إلـى زيــادة إنتاجها النفطي في األسواق مــن خــالل منحها لـحـسـومـا­ت كـبـيـرة فــي األســعــا­ر- وقــت إن كــانــت املـنـظـمـ­ة تــثــبــت كـــــال مــن اإلنـــتــ­ـاج واألســــع­ــــار- إلـــى أن تدهور إنتاجنا النفطي إلـى أقـل من مليوَنْي برميل يوميا في (‪)198 ٥‬؛ بسبب إحجام شركات النفط العاملية عن شراء النفط السعودي الرتـفـاع سعره قياسا إلـى أسعار مخفضة

ُطـ َّر تقدمها دول األوبــك األخـــرى؛ فـاضـ ِت اململكة إلــى الدفاع عـن حصتها فـي األســـواق وعطلِت العمل بحصص اإلنتاج واألسعار الثابتة . وهنالك الكثير من الوقائع التاريخية التي دلـت وتـدل على الدور املسؤول الذي لعبته اململكة في سوق النفط العاملية. وما من مسؤول غربي وشرقي قابلناه في الثمانينات والتسعينات بل وحتى مع بداية القرن الحالي إَّال وكاَن يشيد بهذا الدور، وُينضُّم إلى تلك اإلشادة تقديُر مختلف الـدوُل املُستهلكة لتحمِل اململكة لتلك املسؤوليات وهو التحمل الـذي وازن ويــوازن بن مصالح كل من الــدول املنتجة واملستهلكة. وذلك ليس حبا طاغيا فـي الـــدول املَستهلكة بـل هـو ِنــتــاج رغـبـة فـي عــدم تأثر الطلب العاملي على النفط جــراء ارتـفـاع األسـعـار وفـقـدان النفط لنصيبه التدريجي في ميزان الطاقة العاملية، وهو أمر ال َيُصُّب في مصالح الدول املنتجة . وبناء على ما سبق يتضح أن محاولة البعض اتهام اململكة بأنها تسعى لتعويض النقص في اإلمدادات العاملية من النفط ــ لو تدهورت صادرات إيران النفطية نتيجة للعقوبات ــ من منطلق الرغبة في االنتقام، يتضح أنه اتهام غير صحيح، والوقائع التاريخية تشهد على ذلك. وبطبيعة الحال، فإن تغطية نقص اإلمدادات لن تقوم به اململكة وحدها، بل هنالك دول أخرى لديها طاقات إنتاجية فائضة وترتبط مع اململكة وبقية دول األوبك وغيرها بما يعرف بـ «اتفاق أوبـك»، وهو االتفاق الذي سعت من خالله هـذه الــدول إلـى سحب الفائض النفطي من األســـواق. وروسيا على سبيل املثال لديها طاقة إنتاجية فائضة تبلغ حوالى املليون برميل يوميا، واململكة لديها مـا يزيد على ذلــك ودول أخــرى جـاهـزة ملزيد من الضخ إلنتاجها خاصة في ظل األسعار الحالية املرتفعة. ولسنا هنا بصدد تحليل نتاج اتفاق أوبك، ودرجة االلتزام به، لكن البد من القول بأن ما أنقذ االتفاق من االنكشاف ومن تعرِضِه لإللغاء هو اختفاء مـلـيـون بـرمـيـل يـومـيـا مــن إنــتــاج فـنـزويـال لــظــروف محلية واضطرابات اقتصادية وسياسية ال عالقة لها باتفاق أوبك على اإلطالق. كما أن ظروفا مماثلة يعيشها النفط الليبي والنفط األنجولي، هي التي أدت إلى تدهور

ا . اململكة أدت دورها بأكثر مما يجب في هذا االتفاق، فقد خفضت إنتاجها بأكثر من حصتها التي التزمت بها، وفي ذلك استمرار لدورها املسؤول الذي تبنته تاريخيا، وإن تم استغالله من اآلخرين. اآلن وفـــي ظــل الــظــروف الـحـالـيـ­ة، قــد ال تـحـتـاج األوبــــك لهذا االتفاق، وسنرى، ربما، إلغاءه في اجتماع املنظمة القادم في يونيو، النتفاء الحاجة إلـيـه فـي ظـل أسـعـار النفط املرتفعة

ا، والتي سيكتب لها البقاء فوق مستوى السبعينات، في حال استمرت أزمات كل من إيران وفنزويال وغيرهما. وعلى األوبك واملنتجن من خارجها البحث في كيفية تحقيق جاهزيتهم لتغطية أي نقص في إمدادات النفط العاملية، وأن ال يسمحوا ألسعار النفط أن تستمر في االرتفاع إلى أعلى من مستوياتها الحالية مع تفاقم األزمات اإلقليمية هنا وهناك. وال ننسى أن مرحلة ارتفاع األسعار فوق املائة دوالر – وهي مـسـتـبـعـ­دة حتى لـو اسـتـمـرت األزمـــات – تــعــد مرحلة مؤقتة للدول املنتجة، وال بد أن نتعلم من تجربة ما حدث في الفترة من ‪)201 ٤ -2010(‬، وما أدى إليه تجاوز أسعار النفط املائة دوالر من زيادات كبيرة في اإلنتاج النفطي العاملي، وتسارع تباطؤ النمو في الطلب العاملي على النفط، وهـو ما انعكس انخفاضا شديدا في أسعار النفط. وختاما،فإن ا،كماكان، وأن تكون جاهزة لتلبية احتياجات األســواق في الوقت املناسب، وهي فــرصــة للمملكة أن تـحـقـق مـكـاسـب مــن نـاحـيـتـن: أســعــار نـفـط مرتفعة ومـعـدالت إنتاج عالية. وقـد تخلد منظمة أوبــك إلـى بـيـاِت شتوي أطول مما كان عليه منذ (‪)201 ٤‬إلى .)2016( كما ستمثل الفترة القادمة ــ إن شاء الله ــ بداية للنمو االقتصادي الحقيقي في ظل تسريع تطبيق برامج رؤية .)2030( األمر الذي يسرع من اجتياز مرحلة اعتمادنا شبه املطلق على عائداتنا من تصدير النفط الخام. ووطننا ــ بتوفيق الله ــ لن يضام، رغم ما يتربص به الحاقدون، وستتوالى خيراته في ظل نمو يعتمد على كفاءاتنا الوطنية وتحولنا تدريجيا إلى مجتمع منتج يقوم على املعرفة واإلبداع .

 ??  ?? د . محمد سالم سرور الصبان * @sabbanms
د . محمد سالم سرور الصبان * @sabbanms

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia