ألجلك يا زهرة املدائن
منذ بدأ الرئيس دونالد ترمب فترته وهو يسير في خطني متناقضني تماما، خط مكافحة اإلرهاب ممثال في مواجهة التنظيمات اإلرهابية مثل داعـش ودحرها وكذلك الوقوف ضد االتفاق النووي مع إيران ثم الخروج منه وترتيب إعادة فــرض الـعـقـوبـات عليها مـا يمكن أن يــردع إيـــران عـن تبني التنظيمات اإلرهابية التي تتبناها وتثير بها الفوضى في منطقتنا، والخط اآلخر هو نسف ملف كبير ومهم كخطوة من شأنها إثــارة التوتر إلـى أقصى مــداه في منطقة الشرق األوسط واملحيط العربي، بتنفيذ قراره نقل السفارة األمريكية في إسرائيل إلى مدينة القدس، وهو قرار لم تتخذه أي إدارة أمريكية سابقة، وتــم اتــخــاذه رغــم احتجاج الـــدول العربية املتضامنة بصدق وإخــالص مع القضية الفلسطينية، وما زالت الذاكرة القريبة تستدعي مؤتمر القمة العربية األخير في اململكة الذي أطلق عليه امللك سلمان قمة القدس. فـعـلـهـا الــرئــيــس تــرمــب فـــي يــــوم حــزيــن ســقــط فــيــه عشرات الـقـتـلـى وآالف الــجــرحــى املــدنــيــني بــالــرصــاص اإلسرائيلي، فعلتها أمريكا ولـم تفعلها بقية الــدول الغربية حتى التي خـرج منها وعـد بلفور املـشـؤوم، والـصـورة تبدو قاتمة ألن املــظــاهــرات واالحــتــجــاجــات الفلسطينية لــن تـتـوقـف بينما أمريكا تقدم املسوغات والتبريرات مجانا إلسرائيل، وتقف حتى ضد طلب في األمم املتحدة إلجراء تحقيق مستقل في املجزرة، وسوف تقف ضد أي تصويت قانوني وإنساني في مجلس األمن ضد ما حدث، والعجيب أنها بعد كل ما حدث تدعي أنها تحرص على استمرار عملية السالم، نعم يجب أن نعترف بأن أطرافا في السياسة الفلسطينية ساهمت في تعقيد القضية واإلضرار بالشعب الفلسطيني لكن موضوع الــقــدس هــو مــوضــوع كــل الفلسطينيني والــعــرب واملسلمني والضمير اإلنساني، وحـني يأتي هـذا االستفزاز قبل دخول شهر رمضان فإنه استفزاز للوجدان واملشاعر وربما يتسبب فـي نسف بقايا التعقل واالتــــزان لتزهق املـزيـد مـن األرواح بــالــرصــاص اإلســرائــيــلــي وبــرعــايــة أمــريــكــيــة جـــائـــرة. وهنا على كل الدول العربية واإلسالمية تحييد الخالفات جانبا والـضـغـط بـكـل الــوســائــل عـلـى املجتمع الــدولــي واملنظمات الــدولــيــة إلنــقــاذ مــا يـمـكـن إنـــقـــاذه مــن الــشــعــب الفلسطيني وقضيته، أما أمريكا فسيبقى هذا الحدث األليم وصمة عار ال تمحى من تأريخها السياسي.