Okaz

الدميقراطي­ة على الطريقة العربية

-

شهد العالم العربي خالل األيام القليلة املاضية انــتــخــ­ابــات فــي ثـــالث دول هــي الـــعـــر­اق ولبنان وتـــونـــ­س، وبــمــا أن هـــذه األخـــيــ­ـرة لــهــا وضعية خاصة ومعطيات متميزة واالنتخابا­ت فيها كانت على املستوى البلدي، فـإن لها تحليلها الـخـاص. أمـا في الـعـراق ولبنان فقد مثلت االنتخابات فرصة لإلطالل على الفهم املشوه للديمقراطي­ة ومفهوم الدولة الحديثة على حد سواء. لعل املالحظة األولى أن الشعبني العراقي واللبناني أدرك مساوئ هذه الديمقراطي­ة، فقد شهدنا إقباال ضعيفا على صناديق االقـتـراع. وهـذا يشير إلى حالة اليأس التي تسللت إلى نفوس الشعب من إمكانية أن تغير هذه االنتخابات شيئا على أرض الواقع. فـي الـعـراق الفساد متغلغل فـي كـل مفاصل الـدولـة، والطائفية تـضـرب أطنابها مـن قـاعـدة الـهـرم السياسي حتى أعـلـى رأسه، اإلسالم السياسي بشقيه الشيعي والسني حول البالد إلى ساحة للحروب الدينية القذرة، املواطن العراقي البسيط ال يجد قوت يومه وال يجد مـاء صالحا للشرب أو كهرباء تخفف مـن قيظ الصيف القادم، وآخر ما يهم الطبقة السياسية هو هذا املواطن الذي يفترض أن تكون خدمته هي الهدف األول الذي يسعى إليه كل املرشحني. ولكن الجميع يعلم أن هذه االنتخابات التي يشكل فيها الفاسدون نسبة معتبرة من مرشحيها، لن تغير شيئا في واقع املواطن العراقي. فـــي لــبــنــا­ن الـــوضـــ­ع ال يـخـتـلـف كــثــيــر­ا، حــيــث يـسـيـطـر اإلقطاع السياسي على مفاصل الحياة السياسية، ومــع كـل االدعاءات بالديمقراط­ية تحتكر عائالت اإلقطاع تمثيل اللبنانيني على مدى عقود، وأصبحت الحياة السياسية ميراثا ينتقل من اآلباء إلى األبناء. في لبنان إذا كانت هناك طائفة تحميك فيمكنك أن تفعل ما تشاء. فساد ورشاوى وال يوجد من يحاسب، وغالبا أن من يدعي من هذه الطبقة السياسية محاربة للفساد هم أنفسهم رؤوس الفساد في الدولة. االنـتـخـا­بـات هــي الـخـطـوة األخــيــر­ة فــي مجموعة مــن الشروط، أهمها أن تكون هناك دولـة! فالدولة في التعريف هي املؤسسة التي تحتكر العنف، بمعنى أنها الوحيدة التي يحق لها تطبيق الـقـانـون بـقـوة الــســالح. ولـكـن فــي الــعــراق ولـبـنـان تـوجـد هناك ميليشيات ال تتبع للدولة بـل تتبع ملحتل خـارجـي هـو إيران. حــزب الـلـه يمثل دويـلـة مستقلة فـي لبنان ال يستطيع أحــد أن يفرض القانون عليه. يفعل ما يشاء ويجرجر خلفه ما تسمى الدولة، وأوامره تأتي من الولي الفقيه باعترافه هو، في العراق ال يختلف الوضع كثيرا، فميليشيات الحشد الشعبي التي تشكلت خارج إطار الدولة ثم تم شرعنتها من قبل الدولة العراقية تحت الضغط، وأصبحت تصول وتجول وترتكب الجرائم واملوبقات دون حـسـيـب أو رقــيــب، وقــــادة هـــذا الــحــشــ­د يـمـثـلـون املصالح اإليرانية ويمتثلون ألوامر الولي الفقيه. الديمقراطي­ة تفترض سلطة القانون الـذي يطبق على الجميع بدون تمييز، ولكن ما هو حاصل في العراق ولبنان أن القانون انتقائي، يطبق على الضعيف، بينما القوي املدعوم طائفيا أو حتى خارجيا، فإنه بعيد عن املحاسبة. رؤوس الفساد هم الذين يحكمون العراق وهم من تصدروا نتائج االنتخابات العراقية. في لبنان جرائم حزب الله وصلت إلى خارج لبنان من تهريب للمخدرات وغسيل لألموال، وتجار املخدرات املحميني من حزب الله يصولون ويجولون في البقاع وال أحد يستطيع أن يقترب منهم. فـي الــعــراق ولـبـنـان ال يـوجـد هـنـاك فصل فـي السلطات، فالسلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية تخضع لسلطة الطائفة ولسلطة السالح التابع مليليشيات حزب الله أو الحشد الشعبي، ميشال سماحة على سبيل املثال الذي هرب متفجرات وكان يريد تنفيذ عمليات إرهابية ومع ذلك أخرجته امليليشيات بعد حكم مثير للسخرية، في العراق رائحة الفساد تزكم األنوف ولكن السلطة القضائية عمياء وصماء، ألنها ببساطة تخضع للطائفية. ال تـوجـد ديمقراطية بــدون مـواطـنـة، فـاملـواطـ­ن لــه كــل الحقوق وعـلـيـه كــل الــواجــب­ــات بـاعـتـبـا­ره مـواطـنـا فــي الــدولــة، ولـكـن في لبنان والعراق أنت تحصل على حقوقك ليس باعتبارك مواطنا، ولكن باعتبارك تنتمي إلى هذه الطائفة أو تلك، وبمقدار قوتها تحصل على بعض حقوقك. كيف يمكن أن تكون هناك مواطنة والوطن خاضع للمحاصصة الطائفية، فالقادة السياسيون آخر همهم املواطن والوطن وهمهم األول الحصول على حصتهم من كعكة هذا الوطن. الـديـمـقـ­راطـيـة عـلـى الـطـريـقـ­ة الـلـبـنـا­نـيـة والــعــرا­قــيــة هــي وصفة من أجـل تقسيم الوطن على أســاس املحاصصة، فجسد الدولة يوضع كجثة هامدة على طاولة التقاسم وكل طرف يحاول أن يظفر بحصة أكبر، لذلك فاألزمة السياسية تبقى مستمرة. فكل طرف يجد نفسه مغبونا مهما كان ما تحصل عليه. آخر ما يمكن أن توصف فيه االنتخابات في هاتني الدولتني هو وصف الديمقراطي­ة، لذلك يكون من الطبيعي أن تصبح الدولة نهبا للتدخالت الخارجية، وفي الحالتني العراقية واللبنانية وجـــدت إيـــران فــي هــذه الـديـمـقـ­راطـيـة املـشـوهـة حـصـان طروادة لـلـدخـول والـسـيـطـ­رة عـلـى الـحـيـاة الـسـيـاسـ­يـة، عـبـر امليليشيات املــؤدلــ­جــة. فـكـان مــن الطبيعي أن يحصد حــزب الـلـه فــي لبنان والحشد الشعبي في العراق ثمار هذا النبات الشيطاني الذي يسمى ظلما وبهتانا ديمقراطية. هذه الديمقراطي­ة املشوهة ال يمكن أن تجلب األمن واالستقرار وال يمكن أن تبني دولـــة حقيقية، واألهـــم مــن ذلــك أنـهـا سوف تفتح الـبـالد لالحتالل اإليــرانـ­ـي املقنع، تبا للديمقراطي­ة التي تكون وسيلة لسيطرة إيران على البلدان العربية. * كاتب عربي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia