هل يكون تركي آل الشيخ.. عراب الفنون!
مـــنـــذ أوائــــــــــل الـــخـــمـــســـيـــنـــات وحــــتــــى منتصف الـثـمـانـيـنـات املــيــاديــة عـــاش الــفــن الـغـنـائـي في السعودية ازدهارا ملفتا في دولة كانت تعد من الـــدول الناشئة ولـيـس لديها األدوات اإلعـامـيـة الــقــادرة على نقل صوتها للعالم، إضافة إلى رأي فقهي صارم تجاه الغناء واملعازف بالذات، ومع ذلك استطاع الفن السعودي ليس فقط الــخــروج مـن زوايـــا صـحـراء الـجـزيـرة بـل فــرض سمعة وذائقة استمرت لليوم . كـان الغناء ثريا لدرجة ملفتة والسبب في ذلـك يعود لوجود مخزون تراثي هائل من األغـانـي واأللـحـان واأللـــوان الشعبية استند عليها الفنانون وامللحنون وكتاب األغنية، تنوع مثير في تفاصيله الصغيرة، ففي كل مدينة ومنطقة في اململكة لون وغناء وحداء ورقصات خاصة بها جعلت من هذه الباد لوحة فـريـدة وأعطتها مـيـزة قـد ال تتوفر لغيرها، كما أن االهتمام الكبير الـذي أواله امللوك واألمــراء ساعد هو أيضا في انتشار وتقوية الفنون، وباألخص مع دخول صناع الكلمة العذبة من األمراء كخالد الفيصل وبدر بن عبداملحسن وغيرهما الكثير. لــقــد حــقــق ذلــــك طــفــرة غــيــر مــســبــوقــة ودفـــــع بــالــقــوة الناعمة للسعودية نحو آفــاق أوســع استطاعت معها اكتساح العالم العربي بالرغم من ثقل وقدم الفن الغنائي املصري واللبناني اللذين كانا أسياد الذائقة في تلك الفترة، لقد كـان مذها أن نكون موجودين في العالم العربي بجانب محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وأم كلثوم وفايزة أحمد ووردة الجزائرية وفيروز، ونأخذ مساحة ضمن ذلك املسرح املزدحم بالعمالقة، بل إن أغنية «ليلة ليلة» ملحمد عبده على سبيل املثال تحولت ملـوسـيـقـى شـعـبـيـة عـاملـيـة تــــرددت فــي أوســــاط الــفــرق الغربية بكثافة . لعلنا نـتـذكـر أن فــي عـقـديـن فـقـط تــزامــن فـنـانـون كــبــار مثلوا الطبقة األولى للغناء في اململكة على رأسهم طارق عبدالحكيم وعــبــدالــلــه مــحــمــد ومــحــمــد عــلــي ســنــدي وعــيــســى األحسائي وسامة العبدالله ومحمد عبده وطال مداح وعلي عبدالكريم ومحمد عمر وعــبــادي الـجـوهـر وعبداملجيد عبدالله وراشد املاجد، ومن الفنانات توحة وابتسام لطفي وعتاب، إضافة إلى ملحنني وكتاب أغنية كسراج عمر ومحمد شفيق وعمر كدرس وإبراهيم خفاجي كان يحج إليهم فنانو العالم العربي. اليوم ومع بداية انفراج الساحة أمام الفنون بكل أشكالها يبدو أننا بحاجة ملكائن ضخمة ال تقوم بإقامة الحفات للجمهور فـــقـــط، بـــل بــــإعــــادة رســــم الـــخـــارطـــة الــفــنــيــة الــســعــوديــة وبناء شخصيتها واكتشاف املواهب، وبنظرة فاحصة للساحة نجد أننا أمــام بقايا فناني الثمانينات وال يوجد اآلن مـن يلتقط منهم املوهبة ويكمل املشوار. من هنا أتمنى من األستاذ تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة للثقافة القيام بــدور «عـــراب» الـفـن الـسـعـودي، فما قــام بـه من حراك ونجاحات للرياضة والكرة السعودية خال أقل من عام، إضافة إلى كونه شاعرًا متميزًا ومتذوقًا للفنون، يؤهله لذلك. أظن أننا في حاجة اليوم ألن تبقى الساحة الغنائية السعودية زاخـــــرة ومــمــتــدة فــي الــعــالــم الــعــربــي، بــل إن الــفــرصــة مواتية لتسيدها مـرة أخــرى فما يحصل اليوم هو طفرات غنائية تلبث أن تنطفئ . تركي آل الشيخ من خال هيئة الثقافة وعضويته فيها قادر ليس على تحريك املناخ الفني في اململكة فقط، بل املساهة في بنية فنية قوية قادرة على إعادة األغنية السعودية لهيبتها. نحن بحاجة ملعاهد وكليات لتعليم الفنون، وبرامج تساعد في اكتشاف املـواهـب، وأيضا إلـى إدخــال املوسيقى للمدارس وجعلها جزءا من املكون التعليمي. يجب أن ال ننسى أننا أمام تحد كبير خال سنتني من اآلن، فدار األوبــرا السعودية ستنشأ خال فترة وجيزة كما أعلن، وهذه األوبــــرا تـحـتـاج لـيـس فـقـط إلــى مبنى جـمـيـل، بــل إلــى عازفني سـعـوديـني محترفني يـكـونـون نـــواة الـفـرقـة امللكية األوبرالية السعودية، وهذا لن يتم إذا لم نكتشف وندعم ونعلم ونبتعث املواهب، حيث أعرق املعاهد والكليات املوسيقية في العالم. ال