هل أنِت عورة؟
«صـــرت أسـتـحـي أطـلـع عـنـدكـم أحــس إنــي عــــورة»، عبارة أطلقتها طفلة جميلة ببساطة وعفوية أثناء بثها على برنامج إنستغرام . بتلك العفوية أطلقت هذه الفتاة على نفسها هذا الوصف. توقفت طويا وأعــدت تـكـرار املقطع مــرات عــدة حتى أستوعب مصدر العبارة من خال تعابير وجهها الطفولي البريء، ولم أجد ما يساعدني، فكرت في أي مرحلة دراسية تدرس؟ وما نوع املفردات التي تسمعها في املنزل واملدرسة وغيرهما . لغة النساء املؤثرة، ليست ذلك الخطاب النخبوي املختزل وال القصائد الغزلية، بل هي لغة الفتيات فيما بينهن وفي املدرسة واملنزل فهي تحكي لنا الكثير عما نقوله لهن! أن تتشرب فتاة فـي حــدود سـن العاشرة أنها «عـــورة» أمر يـسـتـحـق الـــوقـــوف والــتــأمــل، هــل هـــذا الــخــطــاب املجتمعي قائم على أسس تربوية؟ يستحيل أن نصبغ هذا النوع من الخطابات بـلـون واحــد فـقـط، بـل هـي تــداخــات وتراكمات جعلت املرأة كائنًا غير بشري ظهوره يخدش الذوق العام. تغييب املــرأة وال أقصد تغييبها ماديا أو اجتماعيا إنما تغييبها معرفيا ومـحـو أثـرهـا الـفـكـري والفلسفي يجعل الـشـابـات أمـــام تـحـد كبير ولــن أطـيـل الـبـكـاء عـلـى األطال، وحـــتـــى تــحــقــق املـــــــرأة وجــــودهــــا عــلــيــهــا امـــتـــاك األدوات الحضارية للتقدم و ِفي مقدمتها اللغة . عـلـى املـــرأة أن تـغـربـل الـخـطـاب املــوجــه لـهـا ولـبـنـات جنسها وال تقبل بتمرير مثل تلك العبارات السلبية والسامة. املرأة ليست عدوة املرأة هذا هراء وخطأ تاريخي حان الوقت لدحضه، فالتجمعات الوظيفية محك لـدعـم الـنـسـاء وال أقـــول هنا على حساب الكفاءة لكن إن تعادلت الكفتان بالطبع سأشجع زميلتي! ألنــنــي ســـأكـــون مـتـيـقـنـة بـحـجـم الــضــغــط الــنــفــســي واالجــتــمــاعــي الذي تواجهه، خشية النساء من دعم بعضهن البعض تتاشى أمام سنوات مــن شللية الــرجــال وتــآزرهــم فــي االســتــحــواذ عـلـى أكـبـر قــدر ممكن من املناصب واملزايا املالية تحديدًا. إن األداة التي يهمنا أن تحملها املرأة أيضا املعرفة فهي وسيلة وليست غاية، فحقًا أشعر باألسف عندما أرى فتاة تتحدث بسذاجة أو دون أن توثق رأيها بمراجع ودراسات فقط لتسبح مع أو عكس التيار! بريق النسوية بدأ يشع اآلن والساحة مليئة بالخبرات القديمة، ومحاولة تجاوز أو تجاهل من سبقونا دليل نقص وال يعبر عن املهنية، ومحاولة أيــضــا تــشــويــه الــخــطــاب الــنــســوي وتــجــريــمــه مـــن خـــال «هاشتاقات» مـدعـومـة مـن الــخــارج دلـيـل على أن نـجـاح الـسـعـوديـات فـي ظـل وطننا أوجع الحاقدين فبثوا سمومهم من خال أتباعهم للتشنيع على السيدات وقذفهن بأبشع العبارات، وادعاء أن الخطاب النسوي يـدعـو لانحال والــشــذوذ أمــر مــرفــوض، وقولهم مردود عليهم والذي سيرده قانون دولة العدل والتوحيد. يعد الخطاب النسوي السعودي من أكثر الخطابات تأثيرًا فـي الساحة الثقافية حتى اآلن، وذلــك بفضل اإلصاحات املجتمعية التي يقودها ولي العهد األمير محمد بن سلمان ضمن برنامج «رؤيـة اململكة »2030، ومــؤازرة وعمل بقية الجهات التي أصبحت تدرك أن هناك رقيبًا صارمًا في شأن املرأة لن يتساهل أو يقبل بتحييدها من جديد. ال يـــزال هـنـاك ضعف فــي تمثيل املـــرأة ومــا زال ظــاهــرًا في الجهات الداخلية كعدد مديرات الجامعات مثا ووجودهن في وزارة الخارجية كعدد السفيرات واملاحق الثقافية التي ال أعـلـم حتى اآلن عـن أي سـيـدة تعمل كملحق ثـقـافـي؟ لكن املطالبات قائمة ومستمرة . ويبقى أن يوثق هذا الحراك علميًا ويرصد تاريخيًا في أقسام أكاديمية متخصصة، وأن نستغل فـرصـة وجــود مؤسساته الحقيقيات بيننا، وهنا أتذكر سؤاال طرحه الكاتب القدير محمد الخازم منذ سنوات «من الذي يناقش مواضيع املرأة » ؟، ببساطة « هي » ، املرأة اآلن ليست « عورة » يا طفلتي الصغيرة وأنــِت لسِت بـعـورة، فالعورة ما يستحى منه وما يخدش الحياء والــذوق العام وينتقص الكرامة في ظـهـوره، إنما أنِت ثروة ونور وفرح .