Okaz

نفحات القلوب

- د. إبراهيم إسماعيل كتبي *

الحمد لله أن بلّغنا شهر رمـضـان المبارك، وكله خير ومغانم كثيرة لصاح الإنسان في الدنيا وحسن المآب لمن أخلص لله وتاب وأناب، لكن ماذا يجدي الصوم وكل هذا الخير إن لم يتدبر الصائم ولا ينهل من هذا الفضل العظيم، بتقوى الله سرا وعانية فـي أخـاقـه ومعاماته، فصدق الإيـمـان يتجلى في تجنب المحرمات وليس فقط مكابدة الجوع والعطش، حيث يشعر بالرضا والطمأنينة إذا ما أقبل على الله. الـصـوم بـمـعـنـاه وجــوهــره الـخـالـص لـلـه تـعـالـى، يعلمنا مــكــارم الأخــــاق وكــبــح جــمــاح الــشــهــ­وات، وإطــفــاء بذور الغضب والنكد والشقاق وآثام الغيبة والنميمة وغيرها من رذائل. وشهر الصوم فرصة عظيمة للخير في بيوتنا، وكـم مـن صائمين يستزيدون مـن نفحات الشهر الكريم، وآخــريــن يـضـيـعـون­ـهـا ويــحـرمــ­ون أنـفـسـهـم أجــرهــا، وفي القرآن الكريم والسنة المطهرة من عظيم القيم والأخاق لمن يلزمها امتثالا لله عز وجل ومحبة لرسوله الأكـرم صلى الله عليه وسلم وهـو الـقـدوة الحسنة لمن كـان يرجو الله واليوم الآخر. احــتــرام الآخـــر زوجـــة أو زوجـــا وأبــنــاء وأفــــراد المجتمع، وتعظيم الحقوق والواجبات، هي سبيل الرشاد وإصاح وصاح للروابط الأسرية والعاقات الاجتماعية الأوسع، بالكلمة الطيبة والسلوك الإيجابي المفعم بالمودة والرحمة والاحترام، وهذا ما يجب أن نؤسس عليه الأجيال، كما أن التسامح لا يعني قبول الإساءة، إنما تقبل الاعتذار الذي يـجـب عـلـى المـسـيء أن يـبـادر بـه ويجتهد فـي ألا يكررها ويستمرؤها. القاعدة الأساسية تكمن في مكارم الأخاق. قال صلى الله عليه وسلم : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخاق » وبها تسمو حياة الإنسان وعاقاته ورسالته في الحياة مهما تغيرت الدنيا في ماديات العولمة وطوفانها الذي يربك ويخلخل قيم المجتمعات ونسيجها، بـأفـكـار وصـدامـات وثقافات ومفاهيم وشعارات عابرة للحدود مباشرة إلى العقول. مـتـغـيـرا­ت الـعـصـر تـتـطـلـب وقــفــة صــادقــة لــزجــر النفس الأمارة بالسوء وطغيان الأنا، بعكس ما عاش عليه آباؤنا وأجـدادنـا بالقيم الجميلة الأصيلة داخـل البيوت وعلى امتداد الـحـارات والمجتمع. وبالتأكيد الماضي مضى ولا يـعـود بتفاصيله، لكن يبقى الـجـوهـر فـي القيم الفردية والمجتمعية. حقا يدعونا شهر الصوم ببركاته إلى وقفة حقيقية مع النفس لإنقاذها من تعقيدات الحياة الكثيرة والمتشابكة، والقوي هو من يقوى على نفسه أولاً خاصة في الحياة الأسـريـة ابـتـغـاء مـرضـاة الـلـه، وأن يعيش الأبـنـاء معنى الترابط في ظال المـودة والرحمة، فالتحديات التربوية تــداهــم الـجـمـيـع حـتـى بـاتـت الأخــطــا­ر بــين أيـــدي الأبناء وحتى فـي غفلة الكبار عبر أجـهـزة الاتـصـال والتواصل الافـــتــ­ـراضـــي الــتــي تــدمــر جـمـيـل الــقــيــ­م وتــســلــ­ب معنى الـتـواصـل الاجتماعي الحقيقي على أرض الـواقـع حتى بـات الكثيرون يشكون نيرانها، وفيها أضــرار وأخطار على المجتمع. ما أجمل وأعظم روحانيات أيام وليالي شهر الصوم في صفائه وطاعاته مـن العمل الصالح، لكن مـا أسـرع هذه الأيام الحميمة للنفس والقلوب، ودائما ما تتسربل سريعا كلمحة بصر فـي حـسـاب الـعـام، والـعـاقـل مـن يغتنم هذا الموسم العظيم والمنحة الإلهية لعباده الصائمين، للفوز بالدارين لمن يجعل موسم الخيرات زادا لبقية العام وفي كـل أمـورالـحـ­يـاة. فالمحروم حقا مـن يـدرك مـواسـم الخير، ومــواطــن الـفـضـل، وأمــاكــن الـفـضـيـل­ـة، ولا يـغـنـم خيرها. إنها نفحات ربانية أنعم بها سبحانه على المسلم، وهي فرصة حقيقية لنعض بالنواجذ على فضائل شهر الخير والبركة لتستقيم الحياة بأسباب السعادة في الدارين. نـسـأل الـلـه أن يتم علينا شهر الـصـوم والـقـبـول. كـل عام وأنتم بخير.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia