Okaz

املريض والثقة املفقودة وثقافة العنف

- عالء أحمد بابكور - أخصائي أنف وأذن وحنجرة - مستشفى النور التخصصي dr.babkour@gmail.com

لطاملا كانت الـصـورة ّالنمطية للطبيب والطاقم الطبي فـي أغلب املجتمعات إيجابية، وشيوعها سهل التعامل بينهم وبني املريض، لكن في السنوات األخيرة تدهورت هذه الصورة بتسارع، حتى تسببت ولألسف في تزايد الشحن النفسي للمرضى وذويـهـم ونتج عنه الكثير من الـحـوادث املؤسفة كـان آخرها هجوم مراجع في املدينة املنورة على أحد أفراد الطاقم الطبي بآلة حادة بطريقة أقرب لألفالم السينمائية! وقبلها بعام تقريبًا إصابة طبيب وفي املدينة املنورة أيضًا بجرح غائر في كتفه، بعد أن هوجم من قبل ذوي أحد املرضى بآلة حادة الذي كاد أن يفقد حياته لوال عناية الله به. وأزعم أن أهم األسباب التي أدت لهذا التوتر وتدهور العالقة أربعة: أولها اإلعالم غير املسؤول، بما في ذلك وسائل التواصل االجتماعي، الذي سعى إلى تشويه هذه الصورة وتعميمها بقصد أو بغير قصد، ففي الوقت الذي تهمل أو تهمش املنجزات التي تتحقق، يتم التركيز على السلبيات واألخطاء وذكرها بصيغة العمومية. هذا الشحن ليس في صالح الطبيب وال املريض وال املجتمع، فالطاقم الطبي قد ال يكون في مأمن من مثل ردود األفعال املتهورة، خصوصا من أحداث السن، وعـدم توفر الحماية األمنية الكافية التي يتضح يومًا بعد آخـر أنها ال تعدو كونها صورية. وفي الطرف اآلخر كثيرًا ما يحصل أن نفقد مريضًا (خصوصا مرضى األورام) بعد الزيارة األولـى بعد أن تفشل كل املحاوالت لثنيه عن رأيه ليعود في وقـت آخـر وقـد ســاءت حالته وتدهورت بـشـكـل كـبـيـر وأصــبــحـ­ـت ولــألســف غـيـر قابلة للعالج، وهــذا مرجعه إلــى فقد الثقة بينه وبــني طبيبه، وال أظــن أن أحـــدًا يستطيع لومه على هذا التصرف فكيف ملريض أن يستلقي تحت مشرط جـراحـه بطمأنينة أو ينتظم على عالج معقد لسنوات طويلة وهو ال يرى في طبيبه إال كومة من األخطاء واإلهمال! وثانيها هـوجهلاملـ­راجـعـنيبط­بيعةالتنظي­ماإلداريدا­خل املستشفيات، إذ جرت العادة بأن يعتقد املريض وذووه بأن الطبيب هو «الكل في الكل»، ويعتقد الكثير من املراجعني بأن أمر الطبيب نافذ على كل من تحته ومن حوله وكأنه رأس الهرم، وهذا ال يصح بوجود التنظيمات اإلدارية الحديثة في املستشفيات وتـوزيـع األدوار ومفهوم العمل الجماعي فلكل قسم رؤساؤه والطبيب أو غيره هو جزء من هذه املنظومة والعالقة بينه وبني الكادر الطبي تكاملية ال سلطوية. وثالثها هو الضغط الكبير على مستشفيات مـحـدودة بكل محافظة. فبعض املرضى قد يضطر لقطع أكثر من ٠٠٥ كيلومتر ملراجعة مستشفى مرجعي في مدينة أخرى، فضال عن كثير من حاالت الطوارئ! وقــد يتذمر أحــدهــم بسبب بـعـد املـواعـيـ­د وهــو ال يـــدرك أن للضغط فــي أعداد املرضى مقابل عدد األطباء واملمرضني، خصوصا باملستشفيا­ت املرجعية، دورا كبيرا في هـذه املشكلة، خصوصا إذا ما علمنا أن عـدد األطـبـاء في السعودية هو ٤٢ طبيبًا لكل ٠١ آالف نسمة وهو الرقم الذي بالكاد يتجاوز الحد األدنى العاملي املطلوب، والوضع مشابه بالنسبة للتمريض حيث إن هناك ٧٤ ممرضا لكل ٠١ آالف نسمة. ورابع األسباب عدم ثقة املرضى واملراجعني بجدوى نظام الشكاوى والتظلم في حال واجه أحدهم أي مشكلة وهذا ناتج لترسبات البيروقراط­ية املتبعة في حل املشكالت والشكاوى التي ال تقتصر على النظام الصحي فقط بل تتعداه ألغلب الـدوائـر الحكومية األخــرى، ولكن في اآلونــة األخـيـرة لم يعد هـذا عــذرًا مقبوال بوجود الخط الساخن للشكاوى (٧٣٩) الذي يتم إغالق الشكاوى وحلها خالل ساعات بنسب تصل إلى ٠٠١٪ في كثير من املناطق، ويحظى بمتابعة شديدة من الوزارة ومن وزير الصحة شخصيًا. وقد قالت العرب قديما: إن املعلم والطبيب كــالهما *** ال ينصحان إذا هما لم يكرمــا فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه *** واصبر لجهلك إن جفوت معلمًا

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia