أمريكا وإسرائيل وإيران.. االحتماالت السبعة
يــرفــض كــل مـحـبـي الــســالم الــصــادقــني فــي الــعــالــم، انتشار األســلــحــة الــنــوويــة، أفــقــيــا ورأســـيـــا. ويــصــبــح هـــذا الرفض والقلق مضاعفا عندما تكون الـدولـة املـصـرة على امتالك هذا السالح الفتاك لها سياسات توسعية عدوانية، ضد جيرانها، كحال إيران، وأيضا إسرائيل. ويثير انسحاب أمريكا ترمب من االتفاق النووي مع إيـران (اتفاق 5+1 لعام )2015 قلقا هائال من تبعات ونتائج هذا االنسحاب. ولعل أسوأ ما يتوقعه البعض هو: هجوم أمريكا وإسرائيل على إيران ونشوب حرب إقليمية، قد تمتد لتصبح حربا عاملية نووية، إن تدخلت روسيا. هذا االحتمال الصارخ يبدو مستبعدا. ولكن، يظل احتمال قيام حرب إقليمية كارثية أكثر ورودا، خاصة في ظل وجود قيادات متشددة (ومندفعة) في كل من إسرائيل وإيران وأمريكا. وعـنـدمـا نــأخــذ كـامــل الـسـيـاق الـــذى تلعب فـيـه هــذه األطــــراف الثالثة وغيرها، نجد أن هذه املنطقة العربية ما تزال على صفيح ساخن، مع امـتـالك إسـرائـيـل سـالحـا نـوويـا ضــاربــا، تعربد بامتالكه فـي املنطقة عـــدوانـــا وإرهـــابـــا، وتــبــتــز بــه األمــــة، ومـــا زالــــت الــصــراعــات والحروب الطائفية واملذهبية فيها على أشدها. هل هدف االنسحاب والعقوبات األمريكية أن ال يزيد طني املنطقة بلة؟! حقا، ال يوجد عاقل يصدق أن هذا االنسحاب ملصلحة العدل والسالم، أو حبا في أمن واستقرار املنطقة. فمن الحقائق املؤسفة -بالنسبة للعرب وملحبي السالم في العالم- كون إسرائيل تمتلك حوالى 280 رأســا نـوويـا، وكــون إيــران تمتلك املعرفة والتقنية واملنشآت النووية التي ستمكنها، عاجال أو آجال، من حيازة قنابل نووية. هذا إن لم تكن إيران تمتلك «القنبلة في القبو»... من هنا تأتي الخشية من انــدالع حـرب نووية إقليمية مدمرة، قد ال تبقي وال تذر. *** وسبق أن قلنا إن هناك، عقب انسحاب أمريكا من هذا االتفاق النووي، عدة احتماالت (سيناريوهات) يمكن اختصار أهمها في ما يلي: )1( بــقــاء الــــدول الـخـمـس األخــــرى فــي االتـــفـــاق، والـــتـــزام إيــــران ببنوده، وتــعــايــش إيـــــران -فـــي املــــدى الــطــويــل- مــع الــعــقــوبــات، واكــتــفــاء أمريكا بالعقوبات االقتصادية. وهنا نتوقع تأجيال في امتالك إيران للقنبلة. )2( بقاء الــدول الخمس األخــرى، واستمرار الـتـزام إيــران بهذا االتفاق، وانهيار نظام املاللى -في املديني املتوسط أو الطويل- بسبب العقوبات والضغوطات األمريكية. ولو حصل هذا، وقام نظام سياسي جديد في إيــران، فـإن هـذا النظام غالبا ما لن يتخلى -طوعا- عن الخيار النووي الذي أمسى هاجسا وحلما إيرانيا، منذ عهد الشاه. )3( انسحاب بعض أو كل الدول الخمس األخرى، وانهيار االتفاق تماما، ونجاح إيران في محاوالتها التعايش مع العقوبات األمريكية والدولية، واملسارعة بامتالك القنبلة.. لتفاوض املجتمع الدولي بعد ذلك من موقف أقوى. وهنا، يتوقع حصول إيران على القنبلة في أقرب فرصة ممكنة. )4( انـهـيـار االتــفــاق بانسحاب بعض أو كـل أعـضـائـه، ومـسـارعـة إيران بامتالك القنبلة.. ولكن قيام أمريكا وحلفائها بمهاجمة إيران ومنشآتها النووية قد يـؤدي إلـى انهيار نظام إيــران السياسي الحالي، ودخولها في فوضى مدمرة. وفى ظل هذا السيناريو غالبا ما ستشارك إسرائيل فــي ضــرب إيــــران، وســتــرد إيـــران عـلـى أمـريـكـا وإســرائــيــل بـضـربـات غير تقليدية. )5( قبول إيران بإعادة التفاوض بشأن برنامجيها النووي والصاروخي فقط، ومـوافـقـة أمريكا واكتفاؤها بـذلـك، والـرفـع التدريجي للعقوبات األمريكية والـدولـيـة، والـوصـول إلـى اتفاق جديد، أكثر صرامة وأمانا. (ولـيـتـه يـتـوج باتفاقية دولــيــة شـامـلـة لـنـزع الــســالح الــنــووي مــن كامل املنطقة، لتصبح خالية من األسلحة النووية). )6( قبول إيران بشروط ترمب الجديدة (الـ21 شرطا التي أعلنها بومبيو وزيــر الخارجية األمريكي) وصياغة اتفاق جديد. ولكن إيــران رفضت بشدة كل هذا. ومع ذلك، يعتبر البعض هذا احتماال واردا، إن تصاعدت العقوبات. ولكنه أقل االحتماالت ورودا. )7( انهيار االتـفـاق، ومسارعة إيــران بامتالك القنبلة.. وهجوم أمريكا وإسرائيل على إيـران ومنشآتها النووية. وبقاء النظام اإليـرانـي، ورده بضربات غير تقليدية على مهاجميه.
*** تلك هي أهم االحتماالت السبعة، ومضمون معظمها مفزع، بالنسبة ألمــن واســتــقــرار املـنـطـقـة. وكـمـا هــو واضـــح، فــإن الـسـيـنـاريـو رقــم 5 هو «األفـضـل» لكل األطــراف املعنية. ولكن الواقع الفعلي لسياسات القوى املؤثرة (خاصة أمريكا وإسرائيل) يرجح حصول االحتمال الرابع. وهذا، إن حصل بالفعل، يعني أن هذه املنطقة ستشهد كارثة جديدة، وقد يكون صيفها القادم هو األسخن، منذ عاصفة الصحراء. والواقع، إن ما قد يتمناه العالم شيء، وما سيحصل شيء آخر. واألمر، بعد مشيئة الـلـه، فـي يـد قــادة الــدول الـثـالث املعنية. وهــؤالء يتصفون بالتشدد واالندفاع، كما أشرنا. قادة إيران الحاليون ليس لديهم مانع فـي تدمير بــالد مـن أجــل نشر معتقداتهم ونـفـوذهـم. وزعـيـم إسرائيل اإلرهابي الكذوب ال يتردد في ضرب فتى يرمي بالحجارة بقنبلة من طائرة إف – .16 أما دونالد ترمب، وهو أقوى قادة العالم وأكثرهم نفوذا، وبيده معظم أوراق هذه اللعبة، وأغلب األلعاب التي تجرى باملنطقة، فـإن تحليل شخصيته، يجعل احتمال حصول السيناريو الرابع أكثر ورودا. ***
قال وقلت: قال «توماس كانتيريمان»، املساعد السابق لوزير الخارجية األمريكي لـشـؤون األمــن الـدولـي والـحـد مـن التسلح، الــذى شغل منصبه هــذا في الفترة 2011 – ،م2017 وكــان أحــد املـشـاركـني فـي مـفـاوضـات االتفاق، عندما سئل عـن عيوب االتــفــاق، قــال: «ليس بـه أي عيب، ســوى ميالده في كنف إدارة أوباما، ليترعرع في عهد رئيس مغرم بإلغاء أي إنجاز حققه سلفه». قـلـت: ذلــك أحــد أســبــاب فـسـاد االتــفــاق، مــن وجـهـة نـظـر الـرئـيـس ترمب. إضافة ألسبابه األخرى. * كاتب وأكاديمي سعودي