Okaz

12 اخلمينيون- =صفرا!

-

بدخول شهر رمضان املبارك ،1439 تدخل تجربتي اإلعامية في الصحافة عامها الثامن، وال أعلم على وجـه الدقة كم مقاال قمت بكتابته عن الخمينيني -التعبير األكثر دقة في رأيي الشخصي عن النظام الحاكم في طهران-. فإيران دولة تكاد ال تتوقف عن استفزاز كل من حولها، وهـي دائمًا البادئة بالعدوانية مليلها الغريزي إلثــارة املشكات والنزاعات. ال أنكر أنني سعدت كثيرًا بانسحاب الواليات املتحدة من اتفاقها مع إيران الذي تم عقده منذ حوالى ثاث سنوات تحت إدارة الرئيس السابق أوباما، كما أنني أعجبت بالشروط اإلثني عشر التي فرضتها الـواليـات املتحدة إلعــادة تطبيع العاقات مع إيــران، ألن هذه الشروط ببساطة أقل ما ستفعله هو أنها ستهدم املـعـبـد عـلـى رؤوس الـنـظـام اإليــرانـ­ـي فــي طــهــران، وسـتـقـوم بتقليص سلطاته العدوانية في املنطقة، فالفكر الخميني بدون هذه الشروط يساوي صفرًا. ال مفر من االعتراف بأن تلك الشروط اإلثنى عشر تضع النظام في طهران في موقف معقد بالفعل، ذلـك ألنـه سيعني -وبـصـورة أكثر إيامًا- ازديــاد الشعور بالتذمر والتبرم من غالبية الشعب اإليراني، الذي ستتفاقم با محالة ظروفه االقتصادية أكثر وأكثر، وسينتج عنها دوامة ال نهائية من املشكات االجتماعية التي ستدفع بغالبية املواطنني لرفع رايــة العصيان ضد سياسات حكومتهم الفاشلة، وهو ما يعني في نهاية املطاف ازدياد حدة الحنق املكبوت والغضب العارم الخفي بني صفوف املواطنني، والذين لن يجدوا بدًا من االنفجار عاجا أم آجا في وجه ذلك النظام الحاكم. من منظور آخر لو تمعنا في الشروط املفروضة على النظام اإليراني من قبل إدارة الرئيس األمريكي الحالي ترمب، لن نجد فيها تعنتًا وال إمــاء لشروط مجحفة أو فرض نوع من السيادة الخارجية كما يدعي الخمينيون، بل سنجد مجموعة من البنود التي تتطلب من إيران أن تكون دولة عادية مساملة، وهي في حقيقة األمر إطار تخطيطي لدولة طبيعية بما يعنيه هذا املصطلح في واقعنا الحديث، وهو ال يمثل تحجيمًا وال اجتثاثًا إال للزوائد اإلرهابية التي يوظفها النظام الحاكم في إيران لتحقيق وجوده وتنفيذ أطماعه. من املؤكد أن النظام الحالي في إيران لن يمتثل ألي شرط من تلك الشروط اإلثني عشر املفروضة عليه، ألن األفعى ال يمكنها أن تتحول إلى حمامة سام، والعكس صحيح أيضًا، والنظام الخميني يتنفس الفنت، وال يستطيع أن يواصل حياته إال من خال االنخراط في صراعات ونزاعات مع الدول املجاورة له، وفي حقيقة األمــر ال تنبع مشاكلنا مـع إيـــران بسبب رغبتها فـي تشييع املنطقة، فتشييع املنطقة هـو أحــد أهـدافـهـا، ولكنه ليس املشكلة الـوحـيـدة وال األسـاسـيـ­ة معها، املشكلة الرئيسية في النظام الخميني هو غريزته الصماء متناهية القدم في حب السيطرة وامتاك النفوذ، التي ورثها من حكامه املتغطرسني املتعجرفني منذ أيام االمبراطور­ية الفارسية العظيمة واملتفردة، والتي جذرت عند بعضهم الشعور بالعظمة والتعالي والزهو بنقاء الــدم الفارسي، دمــاء قمبيز وكسرى أنوشروان وهرمز وغيرهم. غير أن تلك الخياالت تصطدم دومًا وعلى نحو مؤلم بالواقع الصلب، تصطدم بحائط الصد الــذي يحمي املنطقة من شر تلك التوسعات الشيطانية، فتقف إيران عاجزة عن التصدي على نحو مباشر للمملكة، التي تمثل قلب الجزيرة العربية وحصنها الـحـصـني، بثقلها الـديـنـي والـسـيـاس­ـي واالقــتــ­صــادي الذي يحطم تلك الخياالت املريضة ويحولها لواقع عاجز، وها هي ذي إيران تراوح مكانها غير قــادرة حتى على االنتقال من مربع الصفر إلـى املربع الـذي يليه، وكلما تقدمت بعض الشيء أجهزت عليه اململكة لتعيدها مـرة أخـرى كسيرة محاصرة. لم تختلف نظرة ملوك السعودية إليران عقب قيام ثورة الخميني وحتى يومنا هـذا، وكـذك لم تتغير سياسة حكام إيــران على تنوعهم منذ ذلـك الوقت وحتى هذه اللحظة الراهنة، فالسياسة اإليرانية ثابتة ال تتغير، ألنها منذ قيامها على يد الخميني وهى تنهج نهجًا واحدًا يمثل دستورها غير املكتوب، وقوامه فرق تسد، لهذا فا فائدة من التعاطف أو التفاوض مع هذا الحاكم أو ذاك الرئيس، سواء كان من الحمائم أو من الصقور، وذلك حتى يهب الشعب اإليراني ويستفيق من غفلته، ويختار نظامًا حاكمًا ممثا ملصالحه، وإال فإن إيــران ستظل دولة منعزلة معاقبة اقتصاديًا ومنبوذة ومرفوضة من املجتمع الدولي واإلقليمي.

* كاتب سعودي

 ??  ?? د. محمد حسن مفتي * mohammed@dr-mufti.com
د. محمد حسن مفتي * mohammed@dr-mufti.com

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia