«جدة غير» بحاجة «أمني غير»!
ال أكـتـب فــي الــشــأن االجـتـمـاعـي إال قليال، وحـــال بعض أحــيــاء مـديـنـة جــدة وشــوارعــهــا يستحق الــرثــاء وليس الكتابة فقط! أال تستحق جــدة، وهــي املـديـنـة العتيقة املـعـمـورة منذ آالف الـسـنـني، أن يـكـون لـهـا «أمـــني» هـمـه األول تحسني بـيـئـتـهـا، وتـجـمـيـل طــرقــاتــهــا، وجـعـلـهـا بــوابــة حقيقية للمقدسات اإلسالمية التي تتشرف اململكة بخدمتها؟ وهـو ســؤال يشتعل بخاطر الكثير، وتـزايـد مع مغادرة أمينها السابق هاني أبـو راس، الـذي فـرض على نفسه سـيـاجـًا غـريـبـًا مــن الـعـزلـة اإلعــالمــيــة طـــوال فـتـرتـه، ولم يصمت عــن الــكــالم وحـــده، بــل صـمـت عــن اإلنــجــاز، ولم يترك معلمًا أو مبادرة تخلد اسمه ضمن األمناء الذين شغلوا هذا املنصب!. أبـــو راس وبــعــض مــن سـبـقـه مــن أمــنــاء جـــدة ظلموها وظــلــمــوا أنـفـسـهـم. فــهــذه املــديــنــة الــتــي ظـلـت بــوابــة ملكة املــكــرمــة، لـــم يــنــجــزوا لــهــا مـــا يـحـقـق تــطــلــعــات القيادة السعودية وسكان جدة على مدى عقود. فمن املؤسف واملؤلم أن تظل غالبية أحياء جدة حتى هذا العام بال شبكة صرف صحي. ومن املؤلم أن تظل مسائل مــن قبيل مــــرادم الــنــفــايــات، ووضـــع حــاويــات النفايات مشكالت وليست حلوال، وسببًا للتردي البيئي، والتلوث البصري، ومبعثًا لروائح تزكم األنوف. نحو ثماني سنوات قضاها أبو راس أمينًا لجدة وكأنه كــان يذهب إلــى مكتبه بطائرة عمودية وليس سيارة، وإال لـكـان أحـــس عــذابــات سـكـان عـــروس الـبـحـر األحمر من عشرات آالف الحفر التي تنتشر في كل شوارعها. أو كان أحس بآالم املرضى الذين يمتص البعوض دماءهم وينقل إليهم أغــرب أنــواع الحمى التي أضحت حصرًا على جدة، كحمى الضنك، والقرمزية، وغير ذلك. هــل سـتـكـون مهمة األمـــني الـجـديـد املـكـلـف عبداللطيف الحارثي، أو من سيعني في هذا املنصب بعد أبو راس سهلة؟ ال أعتقد؛ بل يجب أن تكون صعبة، ألن امللفات العالقة الـتـي نــام عليها أبــو راس سـنـوات تتفاقم تبعاتها كل يوم. فنتيجة لسوء التخطيط الحضري لألمانة أضحت تنشأ مخططات وأحياء بال تخطيط دقيق، فتغيب عنها أماكن صف السيارات، وينعدم فيها التنسيق الدقيق بني شركات الخدمات األساسية املسؤولة عن حفر الشوارع، وعدم إعادة رصفها باملواصفات املطلوبة. كانت السيول التي ضربت جدة في أواخـر العام 2009 أكبر اختبار لرسوب أمانة جــدة. وكشفت إلـى أي مدى يــمــكــن لــعــدم تــحــمــل أمـــانـــة املــنــصــب أن يــكــلــف السكان حياتهم، وممتلكاتهم. وبكل أسـف استمر ذلـك الشعور بعدم الطمأنينة خالل سنوات أمانة أبو راس. فما إن تلوح السحب في أفق جدة، حتى يــزداد الوجل من أنفاق ستغرق، ومياه ستتراكم وسـط األحـيـاء، وطرقات ستزول طبقتها األسفلتية مع قطرات هطول املطر. إن جـدة التي تعد عاصمة اقتصادية للمملكة تحتاج إلــى خـدمـات بلدية تحقق لها املـركـز الــذي تستحق أن تتبوأه لتكون قبلة لرجال املال واألعمال، واملستثمرين الذين يمثلون أمال كبيرًا لنجاح رؤية 2030 التي ستنقل السعودية إلى قوة فاعلة. يــجــب أن يـــواجـــه أمــيــنــهــا املــكــلــف -لــكــي يـثـبـت أقدامهأمهات املشكالت التي تركها أبو راس: الصرف الصحي، الـطـرقـات والـــشـــوارع، إعـــادة تخطيط األحــيــاء القديمة، مـعـالـجـة الــنــفــايــات، اإلتـــيـــان بــحــلــول عــصــريــة مبتكرة ملكبات النفايات والتخلص منها، وتشجيع حلول إعادة التدوير، وإيجاد عالج دائم للشوارع املليئة بالحفر. صـحـيـح أن تـجـمـيـل الــواجــهــة الــبــحــريــة (الكورنيش)، وإقــــامــــة مـــمـــرات ملـــمـــارســـة املـــشـــي، وتــجــمــيــل امليادين والــتــقــاطــعــات كــلــهــا أمـــــور مــهــمــة وحــيــويــة ومطلوبة. لكن األولـويـة ينبغي أن تكون لحسم أمهات املشكالت، ومعالجة امللفات املـتـوارثـة بـني أمـنـاء جــدة دون حلول عملية تنهي املـعـانـاة، وتلبي تطلع أجـيـال مـن السكان ملدينة ال تلوثها الروائح، وال تهدد الحياة فيها أبخرة محارق النفايات، والدولة لم ولن تبخل على هذه املدينة العتيقة الرائعة باملخصصات املطلوبة، إذ إن ولي العهد األمير محمد بن سلمان يعمل على تهيئة جدة لتصبح مدينة حيوية ذات بيئة جاذبة ومميزة لتصبح ضمن أفضل مدن العالم، ووجهة ملختلف الفئات من السكان والزائرين. األكيد أن «جــدة غير».. وبحاجة إلـى األمنيات بالتوفيق لألمني الجديد. «أمــني غير».. وكل