خرائط السرطان نبش اجلذور واستصالح البذور
مـثـلـمـا هـــي الـــصـــورة املــضــطــربــة الــغــامــضــة فـــي منطقتنا الـعـربـيـة، تـــزداد حلكتها وغـمـوضـهـا فتتفجر الصراعات وتندلع الحروب، كلما الحت في األفق بادرة تلجم البارود وتعيد اإلنــســان إلــى اإلنـسـانـيـة، كـذلـك الـسـرطـان، والـــذي يـبـدو أنــه أصبح حليفا إستراتيجيا لـلـحـروب والــصــراعــات فــي منطقتنا، يـتـبـادل معها املنافع من لحمنا ودمنا ويتقاسم معها الغنائم من مالنا ووقتنا وجهدنا وأحزاننا، الشعوب في هذه املنطقة موائد ووجبات ووالئم. بعضها يتم وجبات للحروب والبعض وجبات تسد جوع السرطانات وتوابعها. جــيــوش مــن أطــبــاء الــســرطــان ومــســاعــديــهــم وعـــشـــرات مراكز األبحاث واملستشفيات والجمعيات األهلية املجندة ملكافحة السرطان في طـول الوطن العربي وعـرضـه، تصوب بنادقها ضد السرطان واألورام، لكن أسلحتها لألسف غير إستراتيجية، حيث يكثر القتل بنيران صديقة. يتحدثون فـي بريطانيا منذ أشـهـر عـن ثــورة تقنية جديدة لترسم خرائط األورام في بريطانيا، حيث سيضع الباحثون كـــل تــفــاصــيــل املــــرض بـــأنـــواع الــســرطــانــات وتــســجــيــل كـــل ما يتعلق به من معلومات من أنسجة األورام الحميدة والخبيثة والخايا والجزئيات املكونة لها. يقف وراء هذا العمل فريق كبير من املخترعني والتقنيني يجمعون البيانات من مئات آالف األماكن في بريطانيا. فهل هي التقنية إذن؟؟ لدينا في اململكة ما يعرف بالسجل الوطني لألورام ال أعرف مدى إمكانياته في محاكاة التجربة البريطانية ورسم خرائط لـــــألورام فــي املـمـلـكـة بـمـنـاطـقـهـا ومـجـتـمـعـاتـهـا، ألن األرقــــام واإلحصاءات حول اإلصابات بمرض السرطان في اململكة التزال متباينة وتتفاوت. يتعزز ذات التساؤل في ظل الحديث عن وجود مشروع عماق جرى الحديث عنه في السنوات األخيرة وهو مشروع الجينوم السعودي والـــذي سيتيح قــاعــدة بـيـانـات وراثــيــة ضخمة تـوفـر الــدراســة والتحليل والــتــعــرف عـلـى الـبـيـانـات الــوراثــيــة حـيـث يـتـم الـعـمـل عـلـى تهيئة البنية التحتية وتأهيل الطاقم البشري في عدد من املراكز البحثية في اململكة لجمع العينات، با شك إنه مشروع حيوي وبالغ األهمية، ناهيك عن أنه أحد برامج التحول الوطني التي يتطلع الكثيرون بأمل كبير. أكثر ما يقلق الناس في هذا الجانب هو تذبذب إحصاء ات السرطان وأرقامه صعودا وهبوطا وتداخل أسبابه ارتفاعا وانخفاضا في اململكة والعالم. لم تعد املعلومات عنه سرا بني الطبيب واملريض. فهل نحن بحاجة إلعادة تعريف حقوق املعرفة باألخطار حسب الحاجة التي يقتضيها الخطر وحجم املعلومات املراد إتاحتها كحق عام يشترك به املجتمع لبلورة رأي عام حول حجم الخطر والحلول اإلستراتيجية ملواجهته، بعيدا عن الحق الخاص للمريض في مثل هذه الحالة؟ إحــدى اإلحـصـائـيـات املـتـاحـة وهــي قديمة ومـنـشـورة فــي اإلعـــام املحلي تقول إن منطقة جــازان يأتي فيها سـرطـان الفم فـي املـركـز األول، أمــا في الشمالية، فالسرطان األول هو سرطان اللمفومي، بينما في نجران فيأتي سرطان الكبد في املركز األول، باملقابل، تتحدث نفس اإلحصائيات بأن سرطان الثدي األول بني النساء، ليأتي بعده سرطان الغدة الدرقية، أما بني الرجال يأتي سرطان القولون في الغالب وهكذا. هل يتم بلورة عامات استفهام حول األسباب البيئية والثقافية السلوكية في مثل هذه الحاالت، بدال من الوقوف على تشخيص املصاب فقط ومن واقع سجله الطبي؟ هل باإلمكان الوقوف على األسباب العشرة أو العشرين املباشرة وغــيــر املــبــاشــرة املـسـبـبـة لـلـسـرطـان فــي املـمـلـكـة؟ وهـــل يمكن ملراكز أبحاث السرطان املتعددة وجمعيات مكافحة السرطان فــي اململكة واملستشفيات املتخصصة بـعـاج الـسـرطـان في اململكة، هل يمكن رسم خرائط للسرطان حسب مناطق اململكة ومجتمعاتها وثــقــافــات أهـلـهـا وبــيــات مـنـاطـقـهـا؟ وإذا كان ذلك ممكنا، وهذا ما أتوقعه، فلماذا ال يتم العمل على جذور املشكات سواء كانت بيئية أو ثقافية سلوكية؟ وملاذا ينحصر دور تلك املؤسسات في العاج القاتل؟ ال أقـلـل مــن الـجـهـود الـتـي تـبـذل فــي هــذا الــصــدد ومـتـأكـد من إخـاص أصحابها، لكني أعتقد أن الوقاية ال يجب أن تترك للمجتمع أو للفرد ال بد من شراكة املجتمع على األقل باإلجابة عن تساؤالته عندما تتشكل لديه هواجس. عــلــى ســبــيــل املـــثـــال: يــتــســاءل أهــلــنــا فـــي الــقــريــات مــنــذ فترة ليست قصيرة عن عاقة ملحوظة بني تنامي نسب اإلصابة بالسرطان فـي مجتمع الـقـريـات، ومـكـب النفايات الخطرة والــضــارة في الجانب األردنـي تم إيجاده على بعد 30 كيلو من محافظة القريات، عن طريق دائرة البيئة في األردن. أهلنا في القريات بحاجة لإجابة عن استفساراتهم، سواء هذه الفرضية صحيحة أو غير ذلــك، وإذا كانت اإلجـابـة غير معروفة أو غير معلومة، فلماذا ال تجرى دراسات على حجم التأثير إن وجد، علما أن القضية كانت وال تـزال مثار جدل واسـع حتى في األردن، خاصة تلك املناطق املجاورة ملكب «الـسـواقـة»، وعلما بـأن املكب أوجــد منذ عـام ،1989 وأن هـذا املكب يتعرض للحريق قرابة ثاث مرات في تاريخه وربما أكثر، وأن الرياح في تلك املنطقة تصب باتجاه القريات وأن األودية والشعاب كذلك، وتتحدث بعض التقارير الصحفية أن املكب هو لنوعني من النفايات: نفايات طبية خطرة ونفايات نووية. فهل املعلومة صحيحة ؟ وما هي الخطوات الكفيلة بحل املشكلة عاجا وقبل أن تتفاقم القدر الله؟