«مكرون» فرنسي.. بالزعفران اإليراني !
عند النظر إلى صورة الشرق األوسط وما يجتاحه من تحوالت وتقلبات سياسية مستمرة يجب أن ال نــرى املشاهد مفصلة أو معزولة عـن بعضها البعض، فالصورة معقدة جدا ومتشابكة لدرجة أن محاولة فك خيوط اللعبة قد تسفر عن انفجارات غير محسوبة العواقب. فمشهد انــتــقــال الــرئــيــس الـفـرنـسـي مــن االحــتــفــاء بــولــي العهد الــســعــودي األمــيــر مـحـمـد بــن سـلـمـان قـبـل أســابــيــع فــي باريس لـدرجـة كسر الـبـروتـوكـول وأخـــذه فـي جـولـة فـي متحف اللوفر وتحوله ملرشد سياحي، أعقبه قبل أيام تصريحات غير موفقة ملاكرون عن العاقة السعودية بالسيد سعد الحريري، جزء من الصورة وليس كامل الصورة. فما الذي دفع ماكرون ملحاولة تعكير العاقة مع الرياض، وهل جاءت تصريحاته هكذا مجرد هفوة لسان؟ بالتأكيد ال.. فالتصريحات مرتبطة ارتباطا كاما بموقف السعودية الصلب مــن االتــفــاق الــنــووي اإليـــرانـــي الـــذي هـنـدسـتـه فـرنـسـا وأملانيا ووقعته أمريكا أوبــامــا، ومــحــاوالت مــاكــرون نيابة عـن أملانيا تفكيك املوقف الدولي املتصاعد من طهران. مـــاكـــرون حــــاول جـــاهـــدا إقـــنـــاع الـــريـــاض بـالـتـخـلـي عـــن أمنها ومصالحها العربية بدعم االتـفـاق أو على األقــل عـدم الوقوف بصرامة أمامه، ألنه يجزم أن الرياض هي مفتاح الحل. في ظني أن ماكرون أخطأ الطريق فلو بذل جزء ا من وقته إلقناع «هتلر» اإليراني بالتوقف عن تمويل وصناعة اإلرهــاب ومنع صواريخ إيران من الوصول للمدن السعودية وإعادة ميليشيات إيــران املنتشرة في سورية ولبنان والـعـراق واليمن لكان األمر أكثر إقناعا للرياض لكنه يطلب مـن املتضرر قبول مزيد من األضرار. انـفـتـاح «الـبـقـرة» اإليـرانـيـة أمــام الـشـركـات الفرنسية واألملانية حقق لاقتصادين املثقلني بالديون موارد هائلة ليسا في وارد الـتـخـلـي عـنـهـا، فــخــال الــســنــوات الـخـمـس املــاضــيــة استطاعت تـوتـال الفرنسية الـحـصـول على حـقـوق االمـتـيـاز واإلنــتــاج في حقول النفط والغاز اإليرانية، ونحن نتحدث هنا عن سيطرة أوروبا العجوز على عصب اقتصادها الذي كان يأتي عن طريق الروس. األملان والفرنسيون يشعرون بخطر داهم ومستمر من موسكو، ويعتقدون أن السياسة الروسية املتسلطة يغذيها شعور القيادة في الكرملني قدرتها على التأثير في عمق أوروبا بسبب تحكمها في الغاز الواصل لشرايني االقتصاد. هذا صحيح، ومحاوالت استبداله أو االنفات منه حق «أملاني فرنسي» ال أحــد ينازعهما فيه، لكن أن يأتي هــذا على حساب الــســعــوديــة فـهـو أمـــر جـربـتـه أملــانــيــا وفــشــلــت، وعــلــى فـرنـسـا أن تستوعب الدرس جيدا. أضف إلى ذلك سعي ماكرون إلعادة إنتاج اقتصاد فرنسي قوي وحيوي، والعمل على تعظيم املحركات الكبرى لديه، وبالتأكيد أن شـــركـــة تـــوتـــال الــفــرنــســيــة هـــي واحــــــدة مـــن هــــذه املحركات الضخمة. املوقف األملاني من الرياض تحديدا ارتبط كليا بمصالح الغاز ورفض الرياض أن تكون السعودية معبرا لخط الغاز القطري الذي أريد له أن يكون بديا للغاز الروسي، وأن يمتد إلى أوروبا عبر سورية وتركيا، فالرياض لديها طموحات اقتصادية كبيرة في التحول إلـى إنتاج الـغـاز، وبالتالي تطمح أن تكون املزود األهم في العالم لهذه السلعة الضرورية. الرياض التي وقفت في وجه واشنطن في عهد الرئيس أوباما، وقال امللك سلمان آنذاك وفي البيت األبيض وأمام وسائل اإلعام إن اململكة ليست في حاجة ألحـد، وال تريد من أحد الدفاع عن مصالحها، وهـي مستعدة للوصول إلـى آخـر الطريق للحفاظ على شعبها ومقدراتها ومصالحها مهما كانت الكلفة. بينما األوروبيون يريدون السيطرة على حقول الغاز في قطر وإيران بسبب املوقف السياسي اإليراني الذي يرغب في الخروج من العزلة الدولية، أما قطر فهي آخر الهموم، وال تعدو أن تكون مستعمرة أوروبــيــة بسبب االنـهـيـار األخــاقــي والـسـيـاسـي في الدوحة، الذي استلب تماما، ولم تعد لديها أية كرامة سياسية تستطيع من خالها مقاومة أي نفوذ. ما يحصل في الغرب هو صعود بعض رؤسـاء دول أو حكومات مـن خــارج السلك السياسي والــتــدرج الحزبي، ولـذلـك هـم عديمو الـخـبـرة، وأبـــرز مـثـال على ذلــك الـرئـيـس األمـريـكـي الـسـابـق باراك أوباما، الذي لم تتعد خبرته فصول جامعة ميشجغن األمريكية.