فرصة احلوثيني األخيرة
لـــم تــكــن مــفــاجــئــة االنــــهــــيــــارات الـــتـــي واجهتها ميليشيات الحوثيني مؤخرا على طول الساحل الغربي وصوال إلى مشارف مدينة الحديدة التي بها أهم املوانئ اليمنية، وقبلها في جنوب الباد، ومرد ذلك أن الفارق في القدرات العسكرية كان فاضحا إلمكانات الحوثيني، فاإلنهاك وتناقص املوارد وقطع خطوط اإلمداد والعتاد كانت عـوامـل تهيئة النـهـيـارات متتالية، لكن الـعـامـل األكـثـر أهمية وحسمًا كـان رفـض املحيط املذهبي لتواجد السلطة الحوثية في تلك املناطق، إذ إنها أحيت تاريخا قديما من الحقد املذهبي واملناطقي ضد تواجد قــوات مسلحة كل قياداتها من منطقة اليمن األعلى (جغرافيا) الزيدية. كانت تصرفات الحوثيني في كل املناطق التي تمكنت جماعتهم من السيطرة عليها بداية من 21 سبتمبر ٤102، تثير حنق املـواطـنـني وغيظهم ولـــم تكن قـيـاداتـه تــراعــي مشاعر الناس، بـل صــارت تتعامل معها دون إدراك للحساسيات املناطقية والــتــاريــخ الــكــامــن فــي الــنــفــوس الـــذي لــم تـتـمـكـن الجمهورية بـسـنـواتـهـا الــســت والـخـمـسـني مـنـذ 1962 أن تــدفــنــه، بــل ظلت رواياته تتفاعل تحت قشور من وهم السلم االجتماعي ودعاوى املواطنة املتساوية، لهذا كله لم تتمكن عناصر الحركة الحوثية من االستمرار طويا خــارج بيئتها الحاضنة ملذهبها، وهنا يجب االعــتــراف أن عزلتهم الطويلة فـي املـرتـفـعـات الشمالية تسببت في عـدم إدراكـهـم للمتغيرات االجتماعية والسياسية فكان ذلك في تصوري محددا لتشكيل تصرفاتهم وإصرارهم على أحقيتهم بالحكم، بعيدا عن الرغبة الجمعية للمواطنني، وترافق ذلك مع ابتعاد عن قواعد الحكم السليم. املحزن واملؤسف أن هذه الدماء التي نزفت ستظل شاهدًا أزليًا على عجز النخب السياسية التي تسيدت املشهد منذ نهاية 2011 حـــني شــكــل األســـتـــاذ مـحـمـد ســالــم بــاســنــدوة حكومته مناصفة بــني املـؤتـمـر الشعبي الــعــام وأحــــزاب الـلـقـاء املشترك املــــعــــارض، وكـــــان ضــعــف الــعــمــل الــحــزبــي مــحــصــلــة طبيعية لعقود من تدمير وعبث ممنهجني لقواعده وتفتيت لقياداته وكـــوادره. بعد تنازل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح عن الحكم لنائبه عبد ربه منصور هادي، فاعتبرت األحـزاب أنها حققت النتيجة التي تمنتها، ورمت بثقلها وراء لقاءات فندق املوفينبيك (مؤتمر الحوار الوطني الشامل) والتي خلصت إلى سيل من التوصيات والرغبات التي ذهبت طموحاتها حدا غير واقعي ال يتناسب مع أحوال الباد ومواردها وتعقيداتها. لست متأكدا كيف سيؤول إليه املشهد بني جموح املنتصرين الذين لن ينسوا ما حدث، وبني من ينادون بمصالحة وطنية تاريخية ال تجب املـاضـي وإنـمـا تتعامل مـع نتائجه وآثاره والــتــأســيــس ملـنـع حــدوثــهــا مـــرة أخــــرى. هــنــاك مــن يـتـصـور أن الدعوة إلـى املصالحة تعني مكافأة املتسببني بالكارثة التي دمرت كل مقومات البلد، ومحفزهم يدور بني الثأر والرغبة في العودة إلى الحكم. هذا أمر طبيعي لكنه سيؤسس لدورة مقبلة املاضية. ولو بعد حني - من الصراع على السلطة ولن تكون آثاره أقل دموية مما شاهدناه خال السنوات الثاث مازال أمام جماعة الحوثيني فرصة - لعلها األخيرة - ملراجعة ذاتــيــة جـريـئـة وتــاريــخــيــة، والبـــد أن يـفـهـمـوا جــيــدا أن ال أحد سـيـقـبـل تملكهم ملـــقـــدرات الـــبـــاد، وأن يـعـلـمـوا أنــهــم ملزمون أخاقيا ووطنيا على التوقف ملرة واإلعـان عن رغبة حقيقية في إنهاء الحرب دون شروط مسبقة، وأن يستوعبوا أنه ليس مقبوال وال معقوال امتاك سـاح اعتقدوا أنـه سيمنحهم قوة إضـافـيـة، لكنهم ربـمـا صـــاروا يــدركــون أنــه لــم يـكـن مـفـيـدا في تحديد املسارات النهائية للحرب، بل على العكس كان محفزا لها والستمرارها. عندما قبل الخميني وقـف إطـاق النار في الحرب العراقية - اإليـرانـيـة، قــال إنــه (كمن يتجرع الـسـم)، والـرجـل قــدم مصلحة باده على كبريائه، كما أن اإلمام يحيى حميد الدين، أبرق إلى امللك عبدالعزيز (يكفي ما حصل) بعد دخول القوات السعودية بقيادة امللك فيصل رحمهم الله جميعا إلـى الـحـديـدة، والكل يعلم أن منطقة تهامة لم تقاوم القوات املهاجمة، ألنها عانت في تلك الفترة من الجور والظلم. عــلــى قـــيـــادة جــمــاعــة الــحــوثــيــني أن تــوجــه نــــداء - حــتــى إن كــان الـــيـــوم مـتـأخـرًا - بـقـرارهـا قـبـول نــزع ساحها وإخراج ميليشياتها من العاصمة والقبول بالضمانات اإلقليمية التي يجب أن يعرفوا أنها األهـم لهم من ضمانات املجتمع الـدولـي، ألن ما يــدور في اليمن ال يهم إال دول اإلقليم، ولن يفيدهم غير االرتـبـاط به والعيش معه، وبـدال من أن تكون طهران وسيطا يساوم على مستقبلهم وقدرهم فمن األيسر عليهم التوجه إلى أشقائهم.