نريد أمينا يعيد جدة إلى عصرها الذهبي
أمـني املـدن الكبيرة في الــدول الكبرى يسمى (ماير ،)mayor وهــــي وظــيــفــة مـنـتـخـبـة مــمــن يــحــق لهم االنتخاب في املدينة، ومن يفوز باالنتخاب تكون عليه مسؤولية كبرى من الناخبني له على أن يكون أداؤه وإبداعه لتحقيق طموحاتهم ملدينتهم من بنية تحتية وخدمات ونظافة ومــشــاريــع اسـتـثـمـاريـة تــعــود بــالــفــائــدة عليهم وعــلــى مدينتهم، ويحاسب األمني إذا لم يحقق األهداف أو لم يحقق طموحاتهم أو كان عائقا أمام نمو االستثمارات واملشاريع التنموية. وفي الـدول النامية ومنها بادنا يحسن القادة الظن في اختيار األمناء ملؤهاتهم أحيانا ولتزكية ذوي الثقة لهم أحيانا أخرى، وأحـيـانـا يتم االخـتـيـار لخبرتهم فـي نفس املــجــال، ومدينة جدة لـم يمر عليها مـع تقديري واعــتــزازي لجميع الـزمـاء مـن األمناء الـسـابـقـني غـيـر عميدهم مـعـالـي املـهـنـدس محمد سعيد فارسي، الذي تم اختياره من نفس قطاع البلديات وعلى وجه الخصوص (تـخـطـيـط املـــــدن)، أمـــا بـقـيـة األمــنــاء بــعــده فـقـد أتـــوا مــن قطاعات أكاديمية أو صناعية ولــم يــأت واحــد منهم مـن قطاع البلديات، فـاجـتـهـدوا وأصــــاب بعضهم فــي بـعـض األعــمــال وأخــفــق الكثير منهم في النهوض بمدينة جدة اقتصاديا وعمرانيا واستثماريا وخدميا، وكـان كل أمني له رؤيـة مختلفة عن سلفه، حتى تأخرت مدينة جدة في السنوات االثنتي عشرة األخيرة وتعطلت التنمية الــشــامــلــة، وتــوقــفــت بــعــض املــشــاريــع الــعــمــرانــيــة الــعــمــاقــة وظل البعض منها كاألشباح تنتظر اإلذن لها الستكمالها، وتعطلت االستثمارات في بعض املشاريع سنوات نتيجة خاف مع األمانة وانتهى بها الحال إلـى املحاكم، وكـم من قضايا بني املستثمرين واألمانة دخلت ديوان املظالم حكم في كثير منها لصالح املستثمر، ولم تنفذ األمانة األحكام لعدم قناعة كبار املسؤولني بها، والبعض اآلخر من القضايا ال يزال ينتظر الحكم بها، وتحولت األمانة إلى خصم للمواطن واملستثمر رغــم أنها كــان مـن املفترض أن تكون أكبر داعم ومساند لهم، ونظرا لبعد األمانة عن املستثمرين تولد شعور لدى املستثمرين بأن األمانة عدو لهم تتصيد األخطاء فقط لتوقف مشاريعهم رغـم أن النظام قد حـدد الغرامات والجزاءات عـلـى املـخـالـفـني بـحـد أدنـــى وأعــلــى، ولــم يسمح لـأمـانـة اإلضرار باملشاريع ووقف املخالف منها فقط. لقد عانى املستثمرون كثيرا وقــد تشهد املكاتب الهندسية على معاناتهم بالتأخير في الحصول على تراخيص البناء أو تعديلها أو تحويلها أو تجديد التراخيص اإللكترونية. إن غياب األمني عـن مجتمع األعـمـال بجميع فئاته خلق روح الفرقة بـني األمانة واملجتمع. وكما يقول األستاذ القدير جميل الذيابي رئيس تحرير جريدة «عكاظ» في عددها )18901( يوم األحد 10 رمضان 9341هــ في مقالته الشهيرة بعنوان - قد أصاب فيه - «جدة غير بحاجة إلى أمني غير»، التي قال فيها «يجب أن يواجه األمني الجديد املشكات التي تركها األمني السابق، الصرف الصحي، والطرقات، والشوارع، وإعـــادة تخطيط األحـيـاء القديمة، ومعالجة النفايات، واإلتيان بحلول عصرية مبتكرة ملكبات النفايات والتخلص منها وتشجيع حلول إعادة التدوير وإيجاد عاج دائم للشوارع املليئة بالحفر». وأضـيـف لـه بــأن مدينة جــدة بحاجة إلــى أمــني يبني أوال جسور املحبة والتعاون بني املستثمرين من رجـال األعمال واإلعاميني مـمـثـلـي جـمـيـع وســائــل اإلعــــام مــع األمـــانـــة، والســيــمــا أن الرؤية املستقبلية )2030( للمملكة تضع دورا كبيرا للقطاع الخاص في املساهمة في التنمية. إن مدينة جــدة بحاجة ماسة إلــى أمــني لـه حـس فني واقتصادي واجتماعي يؤمن بأهمية املشاريع التنموية من تعليم (جامعات ومـدارس ومعاهد)، ومشاريع طبية (مستشفيات ومراكز صحية ومستوصفات وعـيـادات)، وقد بـدأت مدينة جدة في عهد أمينها األسبق محمد سعيد فارسي توجها صحيحا نحو بناء املدينة لتكون تجارية صناعية تعليمية ثقافية طبية، حيث أنشأ مراكز استشفاء خاصة تستقطب املواطنني واملقيمني، وقد كانت نهضة املستشفيات الخاصة الرائدة في مدينة جدة من ذلك التاريخ، ولم نلحظ نموا في الخدمات الصحية على مستوى تلك املستشفيات القائمة حتى تاريخه. نعم نحن بحاجة إلى أمني من خارج األمانة حتى ال نحمله أخطاء املاضي ونتهمه بأنه كان جزء ا منها ولم يساهم في إصاحها. نحن بحاجة إلى أمني يعيد أمجاد أمانة جدة ليس بالبناء الشاهق الفاخر ملقر األمانة، وإنما باألعمال التي تسهم في إعــادة مدينة جــدة إلــى شبابها، ويعيد تــعــاون رجـــال األعــمــال الــذيــن ساهموا في تجميل ميادين مدينة جدة وغرس روح العطاء واملبادرة من أفــراد املجتمع ملدينتهم، فاألمانة هي أهـم األجـهـزة الخدمية في املدينة التي يرتبط بها املجتمع بأكمله أفرادا ومؤسسات وشركات وأجهزة حكومية. فهل من حقنا أن نتمنى أن يتم اختيار شخصية متميزة مبدعة ألمانة جدة.