الصيام فٌن مقدس

استعرت هـذا العنوان من كتاب «تومس رايــن» الصيام فـن من فنون الحياة ولكن ما أقل اهتمامنا بقوانن هذا الفن. مــن املـجـتـمـعـات الــتــي اسـتـوعـبـت أســــرار الـصـيـام وانـتـفـعـت بــه سكان وادي «هـونـزا» الـواقـع بن جبال قـراقـروم التي تربط الصن والهند وأفغانستان وباكستان، ويطلق عليه «سقف العالم». في بدايات القرن العشرين (من عام 1904 إلى )م1911 سافر طبيب تابع للهند البريطانية اسمه «روبــرت ماككاريسون» إلـى تلك القمم العالية حيث الحـظ أن متوسط عمر سكان الــوادي يتراوح بن 120 130و سنة، وبلغ عمر بعضهم 140 سنة، وال يعرفون شيئا عن املرض. ومن بلغ سن املئة منهم يستطيع تسلق األشجار وصعود الجبال بكل سـهـولـة. فــي بــدايــة األمـــر كــان يظن أنـهـم يحسبون أعـمـارهـم بطريقة تختلف عن طريقتنا أو أن عامهم أقصر من عامنا، ولكن عندما رأى أبناء هم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم تبددت شكوكه. لم يلبث روبرت ماككاريسون أن بدأ هو وغيره من الباحثن التنقيب عن إكسير الحياة الذي يتمتع به سكان وادي هونزا. في بداية األمر قام بالبحث عن «اإلكسير» في ماء وتربة وطعام سكان الوادي، إال أنه الحظ أن طائفة «هونزا» ليسوا هم وحدهم من يقطنون تلك السلسلة الجبلية وإنـمـا هـنـاك طـوائـف عـديـدة أخــرى تسكن في أطراف الوادي ويعيشون على نفس التربة ويستنشقون نفس الهواء ويشربون من نفس املاء. في نهاية األمر وصل الباحثون إلى نتيجة مذهلة وهي أن سبب طول أعـمـار سكان الـــوادي وتمتعهم بـــالـــصـــحـــة ال يــــرجــــع إلــــــى نوع طعامهم وشرابهم وإنما يرجع إلـــى قــلــة اسـتـهــاكـهـم للطعام؛ والسر لم يكن في ما «يعملون» وإنما في ما «يمتنعون» عن عمله. هناك مثل يقول: اإلنسان يحفر قبره بنفسه ليس باملعول ولكن بامللعقة والسكن. ومثل آخر يقول: عندما يذبح اإلنسان حيوانا ويأكل لحمه، فكأن الحيوان يصرخ من داخل املعدة قائا: لقد قتلتني، واآلن حان دوري ألنتقم منك وأقضي عليك وأنا في داخلك. أكثر الناس اليوم انتحاريون ولكن من نوع آخر، بمعنى أنهم حينما يملؤون بطونهم من الطعام فإنهم في الحقيقة يعبئونها باملتفجرات الفتاكة التي يسري مفعولها على شكل تدريجي. رحم الله ابن سينا عندما سمى املعدة «بيت الداء». وكــان رســول الله عليه الـصـاة والـسـام قـد أشــار إلــى هــذا املعنى في قوله: “ما مأل ابن آدم وعاء شرًا من بطنه”. إن رمــضـان ُفـرصـة ثمينة أتمنى أن نتعلم فـي مدرستها فــن اإلقال من األكل، ونجري تدريبات الجوع في واديها، على غرار سكان وادي هونزا، ونعيش حياة أطيب. @محاضر بجامعة «إس إم يو» بوالية تكساس األمريكية سابقا