Okaz

حاصل جمع اإلعالم وحاصل ضرب الثقافة

- عبداللطيف الضويحي * Dwaihi@agfund.org * كاتب سعودي

اإلعـالم وظيفة أفقية، بينما الثقافة وظيفة رأسية. والفصل أو الوصل بينهما ال يلغي أفقية اإلعالم أو رأسية الثقافة. عــاصــرت وعـاصـر كثيرون غـيـري أزمــة مفهوم الثقافة تاريخا لـيـس هـنـا فــي املـمـلـكـ­ة فـحـسـب، بــل وعــلــى نــطــاق الــــدول الـعـربـيـ­ة والـكـثـيـ­ر من دول العالم. بأسئلة على غـرار، ما الفرق بني الثقافة والعلم وأيـن يلتقيان أو يفترقان مع املعرفة؟ وهـل الثقافة مكملة للعلم واملعرفة ومتممة لهما أم أن للثقافة مدارات أخرى تختلف عن املعرفة والعلم، قد تلتقي في حضارة لكنها تفترق في حضارات أخرى؟ ثم هل الثقافة أقرب إلى التراث أم إلى الفكر؟ ملــاذا نسلم بـوجـود مفهوم «املثقف» و«املثقفني» حتى لو سلمنا بمصطلح الثقافة؟ فهل يجوز أن نستخدم مصطلح مثقف و«مثقفني» بعد ثورة التخصصات األكاديمية ومسارات املمارسات املهنية املختلفة؟ وهـل املثقف مهنة أو تخصص أكاديمي؟ وهل تستوعب العباءة األكاديمية واملمارسات املهنية مصطلح مثقف؟ إشكالية تحديد مفهوم الثقافة، انعكست على الجانب التنظيمي للثقافة في اململكة والعديد من الـدول، فجاءت الثقافة تارة تحت عباءة التربية وتــارة تحت عباءة التعليم العالي، وأخــرى تحت قبعة الشباب والرياضة ورابعة جاءت ترتدي مع اإلعالم قبعتني لرأسني في جسد. بقيت الـثـقـافـ­ة هــكــذا حـتـى صـــدور األمـــر املـلـكـي بتأسيس وزارة الثقافة هذا األسبوع. أعتقد أن أكثر ما بلور قرار وزارة الثقافة هي رؤيـة 2030 وبرنامج التحول الوطني، حيث اتضحت وتبلورت الكثير من املؤسسات وأميط الكثير من اللبس عن بعضها، وقد يستمر ذلك بعض الوقت. الوزارة الجديدة لن تصنع ثقافة جديدة للمجتمع، لكنها ستضع إطارًا يستند إلى ما هو موجود من ثقافات بتشجيع وتطوير ما هو موجود وقائم، وتهيئة بيئات إنـتـاج وتطوير منتجات ثقافية تالمس املـأمـول وتحقق املنتظر. مع العلم بأن الكثير من عناصر الثقافة ستبقى خارج عباءة وزارة الثقافة لوقت ليس بالقصير ريثما يتم التصالح معها واستيعابها واستنطاقها. لست بـصـدد وضــع خطة لـــوزارة الثقافة فهناك األكــفــأ واألحـــق مـنـي، لكنني أتمنى وأتوقع أن الـوزارة ستتعامل مع كل الثقافات في املجتمعات واملناطق السعودية املختلفة ألن هذا مصدر ثراء وقوة للثقافة الوطنية ككل، الوزارة هي مركز إداري وليست مركزا ثقافيا، فاألدب والقراءة والكتابة والفنون وأنماط الحياة املختلفة، تختلف من مجتمع آلخر ومن ثقافة محلية لثقافة، وإال ملا ساد اعتقاد واسع بني السعوديني وغير السعوديني بأن أكلة السعوديني األولى هي الكبسة، ومطربهم املفضل هو محمد عبده واملمثل املفضل هو واحد من املمثلني العشرة املستهلكني خالل الثالثني سنة املاضية. إن الشهرة التي تمتع بها أربعة فنانني خالل األربعني سنة كانت على حساب الفنانني الشعبيني، الذين تم حصارهم إعالميا ومحاربتهم لصالح ثالثة أصوات أحترمها لكنها أصـبـحـت رمـــزا مـثـل أكـلـة الكبسة الـتـي ألـغـت أكـــالت أهــم وأكــثــر قيمة غذائية منها. ذات مساء دعاني الصديق غسان حجار مدير تحرير جريدة النهار اللبنانية لحفلة النادي الثقافي في مشغرة إحدى قرى البقاع الغربي، أصر علي بعدها باملبيت في بيتهم الريفي الجميل واإلفطار صباحا مع العائلة «الترويقة» اللبنانية. فكانت مائدة اإلفطار كلها من املزرعة واملجتمع املحلي في البقاع. دبس الخروب، أجبان بلدية، مناقيش، زعتر، سلطات فواكه محلية، بيض بأنواعه، شنكليش، كشك، تبولة، فتوش، بابا غنوج حمص كذلك البقاع ومنطقة الصديق غسان حجار تأخذ ثقافة زراعية وتدخل منتجاتهم الزراعية في املائدة. أمـا في واليــة آيــوا، حيث كنت أدرس املاجستير، كانت الــذرة هي املـنـتـج الــزراعــ­ي األول، فـكـانـت تـدخـل فــي أغـلـب مـأكـوالتـ­هـم حتى اآليـس كريم، فصبغت حياتهم وأنتجت ثقافة واليـة آيـوا وأهلها فال تنفصل عن الذرة ومنتجات الذرة. بينما كـانـت مـفـاجـأتـ­ي ال تـوصـف فــي إحـــدى مناطقنا الزراعية املشهورة جدا حني خلت مائدة اإلفطار في أحد الفنادق هناك من أي منتج زراعي محلي! بما في ذلك الزيتون وزيت الزيتون كان إسبانيا وهي املنطقة القائم اقتصادها على الزراعة بنسبة تتجاوز .%60 هذا خلل ثقافي، أكثر منه خلل اقتصادي! فهل تبدأ الثقافة بالقراءة أم هل تنتهي بالكتابة؟ فمن أين تبدأ الثقافة وأين تنتهي ومــا حــدودهــا وهــل الثقافة فقط مـا يــراه االقـتـصـا­د أم أن هـنـاك قيمة أخرى للثقافة ترفد القيمة االقتصادية وتوازيها ؟ وهل تشكل التقنية التحدي األول للثقافة؟ وما هي النقطة الحدودية التي يلتقي عندها املوروث الثقافي والثورة الصناعية الرابعة وما بعدها؟ إنه ال يمكن الحديث عن الثقافة من غير الحديث عن الهوية حيث تصنع كل منهما األخرى وتؤثر كل منهما على األخرى، بوعي وبغير وعي، إنما الثقافة والهوية امتدادات اإلنسان األفقية والرأسية التي تنتقل من جيل لجيل ومن شعب لشعب.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia