بورصة ميالنو وبوصلة روما!
ومــا حـب الــديــار شغفن قلبي ولـكـن حب مـــن ســكــن الــــديــــارا، هـــذا مـــا يــقــولــه لسان حــال أكـثـر مـن 200 ألــف مـواطـن إيطالي يسكنون بريطانيا للعمل أو الــدراســة ويـعـيـشـون مع أســـر مـمـتـدة والــبــعــض بـشـكـل مــنــفــرد، اإليــطــالــيــون من أكثر الشعوب حبا للحياة واملــرح واألنــاقــة، ورغــم قوة االقتصاد اإليطالي وارتفاع دخل األفــراد إال أن العديد منهم وبحكم املعرفة الشخصية يفضلون االستقرار في بريطانيا، وهذا الحلم يبدو أنـه سيصبح كابوسًا لـدى هــؤالء الشابات والشباب بعد تطبيق خروج بريطانيا في بداية .2019 باملقابل ينتظر عدد كبير من البريطانيني خـــروجـــهـــم مــــن االتــــحــــاد األوروبـــــــــي حيث قــــال لـــي رجــــل إنــجــلــيــزي مــســن إنــــه سعيد بهذا الــخــروج، وإنــه يتوقع أن تحذو بقية الدول حذو دولته، وقال قد تكون أملانيا أو فرنسا وربـمـا إيـطـالـيـا؟، وصـدقـت نبوءته فــفــي أقـــل مــن 8٤ ســاعــة ظــهــر هـــذا التوقع للسطح مع أزمة إيطاليا السياسية األخيرة واالنتخابات الحكومية وتراجع بورصة ميالنو والتي هوى بسببها اليورو ألدنى مستوياته ألول مرة منذ ستة أشهر، إيطاليا التي تعد ثالث أقوى اقتصاد في منطقة الــيــورو تـتـراجـع اقـتـصـاديـا هــذا الــعــام بسبب املشاكل االنتخابية، مما جعل املجتمع األوروبي يعبر عن قلقه من تأثير ذلك خاصة مع ركود اليورو واحتمالية انهيار االقــتــصــاد اإليــطــالــي بـحـسـب رأي جــيــســون بـيـتـي في مقالته التي حملت عنوان «األزمة اإليطالية ماذا يحدث وماذا يعني ذلك لليورو وخروج بريطانيا»، حيث حلل مـن خاللها أسـبـاب األزمــة وتداعياتها وتأثيرها على املنطقة، باملجمل الشارع األوروبــي اآلن يعيش جدلية انفراط العقد األوروبــي ومستقبل االتحاد بأجمله في حال انهيار العملة. لــعــل الــحــديــث بــــاألرقــــام والـــوقـــائـــع غــيــر مــقــنــع للجيل األوروبــــــي املــعــاصــر، هــــؤالء الــذيــن نــشــأوا تــحــت ظالل الــعــوملــة وتــخــرجــوا مـــن أنــظــمــة تـعـلـيـمـيـة براغماتية، تجعلهم يـضـيـقـون ذرعـــا بــهــذه املـــخـــاوف، الــعــديــد من الــشــبــاب األوروبــــيــــني والــبــريــطــانــيــني غــيــر راضــــني عن قرارات الخروج من االتحاد، بل يعيشون قلقًا ومخاوف من خسارة حرية التنقل والعودة لنقطة البداية. ولعل أبرز تلك املخاوف تتلخص في مخاوف اقتصادية ومـــخـــاوف اجــتــمــاعــيــة ومـــخـــاوف ثقافية، الــجــانــب االقــتــصــادي ال يـحـتـاج توضيحا فــالــكــثــيــر ســيــخــســرون وظــائــفــهــم فـــي حال تـعـديـل أنـظـمـة اإلقـــامـــة والــهــجــرة، الجانب االجتماعي ستعاني األسر املتنوعة األعراق من هاجس الهوية واللغة بجانب التفاوت الحقيقي في التدين والقوانني املدنية، أما على الصعيد الثقافي الهلع من عودة شبح الـتـفـوق الـعـرقـي والــصــراعــات القديمة بعد االنـــفـــصـــال، أوروبــــــا الــتــي عــاشــت عصرها الذهبي في الديمقراطية واالنفتاح والتنوع مــقــبــلــة عـــلـــى ركـــــــود اقــــتــــصــــادي ومفترق طــرق، فهل ستكون بوصلة رومــا باالتجاه الصحيح؟ أم أنها ستضل الطريق وتسقط خرافة «كل الطرق تؤدي إلى روما»!. مـاذا يهمني كمواطن سعودي من كل ما سبق؟ سأكرر ثالثية املخاوف لكن بلباس ثالثية املستقبل السعودي تحت رمـزيـة «الـسـعـوديـة أوال»، اقتصاديا فــإن حماية االقتصاد السعودي مهمة كل مواطن ومواطنة بأن يكون يــدا عاملة لـرفـع اإلنــتــاج ومـحـاربـة الـفـسـاد، السعودية كمجتمع مـن خــالل هوية وطنية شامخة وجيل يعتز بدينه وقيمه لينافس بمهنيته وأفكاره، ثقافيا تعزيز الـتـنـوع ومـكـافـحـة التمييز واملــزيــد مــن الــثــراء املعرفي تـــقـــوده الــجــامــعــات واملــنــظــمــات بــأكــمــلــهــا، لــســت أبالغ لكن لعلنا سنسبق زماننا إن انطلقنا مـن حيث وقف اآلخرون وكنا على قناعة إلى أين نحن ذاهبون!