توني موريسون تكافح العنصرية بـ «أصل اآلخرين»
من األدباء املعاصرين الذين يسائلون وبال هوادة صورة اآلخر «الزنجي» في املجتمع األمريكي الراهن، نجد الروائية طوني موريسون (روائية أمريكية أفريقية مولودة في أوهايو في 18 فبراير ،1931 فازت بجائزة نوبل في األدب عام .)1993 تتبوأ موريسون اآلن مكانة أدبية مرموقة ومصداقية ال غبار عليها، لتقول كلمتها الجلية والصادقة حول قضية العنصرية األمريكية التي تقود مؤسسات املجتمع الديموقراطية وتهدده بمستقبل من االضطرابات السياسية واالجتماعية. وفي هذا الصدد يأتي كتابها «أصل اآلخرين» الصادر في شهر مارس املاضي عن دار كريستيان بورجوا الفرنسية املتخصصة في ترجمة اآلداب العاملية الرفيعة. يضم كـتـاب تـونـي مـوريـسـون مـحـاضـرات سبق أن ألقتها في جامعة هـارفـارد في عـام 2٠16 كجزء من دورة بعنوان «أدب االنـتـمـاء» وهــي عـبـارة عـن تـأمـالت حــول صــورة وكيفية بناء شخصية األسود في الواليات املتحدة، مما يجعل من الكتاب جـزءا ثانيا لكتابها السابق «اللعب في الظالم» الصادر عام 1992 ويــتــنــاول عــمــومــا «الـــهـــوس بـــاأللـــوان» أو الــخــوف من «الغيرية» في املجتمعات البشرية. يــتــألــف «أصــــل اآلخـــريـــن» مــن 6 نــصــوص قــصــيــرة تستهدف استحضار كيفية إنشاء وتشغيل «التلوين» (مصطلح اقتبسته توني مـوريـسـون مـن الكاتب أليس ووكـــر) وينعت بــه، حسب الـكـاتـبـة، األمـريـكـيـون الــســود و الــقــادمــون الــجــدد مــن تدفقات الــهــجــرة املــعــاصــرة. وإذا كــانــت رؤيـــة كــتــاب «أصـــل اآلخرين» غامضة إلى حد ما وتميل إلى اعتبار العنصرية ظاهرة عاملية، فإنها تخدم بشكل خاص مقصدية الكاتبة، إذ نجدها تغوص في املناطق األكثر إقناعا تعود إلى عناصر من سيرتها الذاتية، كنوع من االنعكاس األدبـي حول ذاتها ونصوصها الروائية، التي تعلق في الكتاب على نواياها ومصادرها. وتعرج على نصوص الكتاب األمريكيني الكالسيكيني محللة موضوعاتهم وقضاياهم. على سبيل املثال، نجد موريسون توضح القوة التدميرية لألحكام املسبقة عن اآلخر، من خالل ســردهــا لقصة جدتها مــن سيرتها الـذاتـيـة تخالف أحكامنا املسبقة: كـانـت جدتها مهابة جــدا وداكــنــة الـبـشـرة كليا و قد جـــاءت لــزيــارة عائلتها فـــرأت ألول مــرة املـسـمـاة آنـــذاك كلوي ووفورد وشقيقتها الصغيرة، فالحظت أن الصغيرتني تملكان بــشــرة ســـــوداء فــاتــحــة، فــلــوحــت بـعـصـاهـا وصـــاحـــت: «هاتان الـطـفـلـتـان مــفــبــركــتــان»، وقـــد تـــرك ذلـــك فــي نـفـسـيـة موريسون شعورا بأنها «أدنى قيمة إن لم تكن شخصا آخر تماما». كان هــذا التصريح فـي وقــت الحــق سببا فـي رغبة الكاتبة ملعرفة املزيد عن النقاء العرقي الوهمي، وقد وظفته في رواياتها مثل «الـعـني األكـثـر زرقـــة»، أو «خــالص» أو «الـجـنـة». وهـكـذا تظهر موريسون عمقا في إدراكها النفسي للعالقة مع اآلخرين. كما تظهر الــدقــة والـعـمـق كـالهـمـا عـنـدمـا تـعـالـج نـصـوص بعض الكتاب األمريكيني العظماء الذين تناولوا موضوع التمييز العنصري. و تأخذ مثاال من القرن التاسع عشر ويمثله بيتشر ستو، حيث تظهر من خالل دراسة مقطع من «كوخ العم توم» عمليات تحسني صــورة االسـتـعـبـاد. ثــم تـأخـذ من القرن العشرين مثاال فولكنر، الــذي تحدث كثيرا عن السود، وهمنغواي الذي لم يتحدث عنهم على اإلطـــــالق، لـكـنـهـا نـبـشـت فــي اســتــعــاراتــه امللتقطة بـذكـاء، صــورا متعددة عن اآلخــر. ثم تقدم زيادة على ذلك، تفسيرًا قاطعًا، إن لم يكن أصيال، لقصة فــالنــري أوكـــونـــور الــقــصــيــرة بــعــنــوان «الزنجي االصـــطـــنـــاعـــي»، والـــتـــي يـــقـــدم فــيــهــا هــــذا الكاتب الجنوبي العظيم، باإلضافة إلى كتابة أمثولة عن النعمة، فإنه ينتقد بشدة التربية على العنصرية واألحكام العنصرية املسبقة، واللذان يعتبران عامال تماسك للهوية بالنسبة للبيض الجنوييني. يتطرق كتاب «أصل اآلخرين» إلى العديد من املوضوعات عن (الرجل األمريكي األســود في املجتمع واألدب، وروايات أمـريـكـيـة معينة بــاإلضــافــة إلـــى روايــــة كتبها كــامــارا الي، و تجارب موريسون، وأعمالها األدبية، والهجرات الحالية).