..و رحل زارع الوهم ومخيب أحالم اجلماهير
في ذكرى الهزيمة التي غدر فيها بأحالم الجماهير العربية الحاملة بالنصر على املحتل اإلسرائيلي، فــــي 5 يـــونـــيـــو األســــــــود فــــي ذاكــــــــرة املصريني والــعــرب، رحــل املــذيــع املــصــري أحـمـد السعيد عن الحياة، وإن كـان قبل ذلـك رحـل عن ذاكرة املتابعني بعد أن زيف لهم الحقائق أو بمعنى أدق ساهم بجهد جبار في تزييفها، فهو لـم يكتف بنشر البيانات العسكرية الكاذبة، بل جملها وزلزل مشاعر الــعــرب مــن الـخـلـيـج إلـــى املحيط بــانــتــصــارات مــوهــومــة، وأسقط مـن الـطـائـرات اإلسرائيلية مـا لم يسقط حتى في الحرب العاملية الثانية. ولكن خطيئة السعيد ال تتمثل في مشاركته في تزييف الحقائق ونشر األكاذيب، بل في دوره االستثنائي في بث البغضاء بني أبناء الشعوب العربية في كل برامجه التي قدمها أو أشرف على تقديمها إبان إشرافه على إذاعة صوت العرب من 1953 وحتى عام الهزيمة املريرة في عام 1967 وأشهرها برنامج «أكاذيب تكشفها حقائق». أحمد السعيد الذي رحل عن عاملنا عن عمر يناهز الـ 93 أحد كثيرين من املوهوبني الذين أضـلـوا الطريق واسـتـغـلـوا مواهبهم فـي الـتـرويـج للبغضاء وتكريس الـكـذب ومحاربة الوعي. كان بإمكان السعيد أن يكتب اسمه بخطوط من ذهب وقالئد من الورد في قلوب املصريني والعرب لو كان صادقا في أداء مهامه، والذود بشرف عن حمى بالده وعروبته، مثل كثير من شرفاء مصر الذين قدموا الغالي والنفيس فداء لها ولكرامتها وعروبتها، ولكنه اخـتـار الطريق األســـوأ، طـريـق الـبـطـوالت الصوتية املــدويــة والـنـزعـة الجماهيرية املحتقنة ولعب على مشاعر الحقد وأجج مواقد البغضاء. ولهذا كانت نهايته كنهاية أوهامه «العزلة التامة» بعيدا عن غضب الجماهير املستفزة منه ومن أكاذيبه، وهو الذي راهن كثيرا على السيطرة على عقولها ومشاعرها.