Okaz

االعتكاف.. مدرسة لتطوير الذات

- بشير أحمد األنصاري * * ﻣﺤﺎﺿﺮ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ )ﺇﺱ ﺇﻡ ﻳﻮ( ﺑﻮﻻﻳﺔ ﺗﻜﺴﺎﺱ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺳﺎﺑﻘﺎ

في خضم الحياة اليومية الثقيلة الصاخبة الكئيبة املصحوبة بالتلوث السمعي الناتج عن شغب الشارع وضجيج وسائل النقل واالتصال التي تشتت الذهن وتسلب التركيز، يحتاج اإلنسان أن يختلي بنفسه ويتذكر ذاتـــه ويعيد فتح قــنــوات االتــصــا­ل مــع روحـــه ويــراجــع حساباته ويعيد ترتيب أولوياته. إن طبيعة الحياة املعاصرة تجعل اإلنسان ينسى نفسه، ونسيان النفس يعتبر مــن أشــد أنـــواع الــعــذاب الـــذي عـبـر عـنـه الــقــرآن بـقوله «فأنساهم أنفسهم». في هذه األحوال، يأتي االعتكاف ليفتح مدارك البصيرة ويعيد الــتــواز­ن النفسي والعقلي فــي اإلنــســا­ن املسلم ولـيـسـاعـ­ده على تأسيس العالقة مع نفسه من جهة والكون والطبيعة وقبل كل ذلك مع رب الكون والحياة من جهة أخرى. إن االعـتـكـا­ف سمة مـن سـمـات األنـبـيـا­ء واألولــيـ­ـاء والـعـبـاق­ـرة؛ ألنــه يهيئ الفرصة ملمارسة التفكير في أعمق صـوره ويصقل النفس ليتسنى لها رؤيــة الـعـالـم فـي مـرآتـهـا الصافية. إنــه مـدرسـة العبقرية، وأعـلـى مراتب اإلبداع الذي يظهر عندما يكون اإلنسان مع نفسه. إن اإلنسان املعاصر استطاع أن يصل إلى القمر وطالت يده املريخ ولكنه ظل يشعر بالغربة ويبتعد عن نفسه يوما بعد يوم. إنه بحاجة إلى رحلة من نوع آخر؛ رحلة تتجاوز حدود املادة وأسوار الزمن وتنتهي إلى محطة النفس العميقة املفعم بنفحة الروح، وجو رفراف طليق تشيع فيه األنسام وال يفسده النفاق واألحقاد وال غواشي القلق أو ضغوط الحياة. إن أثمن لحظة في حياة اإلنسان وأصدقها، هي لحظة الخلوة مع النفس والـهـمـس فــي إذن الــــروح والــدخــو­ل فــي حـــوار مــع الــــذات واالعـــتـ­ــراف في محكمة النفس اللوامة أمام قاضي الضمير والخالص من دوامة الواقع إلى آفاق املثال. عندما تضيق بنا الـحـيـاة وتجعلنا نختنق يـأتـي االعـتـكـا­ف ليغمرنا بالسالم والسكينة... إنه مالذ آمن ومدرسة لتطوير الذات! روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان

‪َََ َُ َِْ ًُ َْ َُ‬ يعتكف كل رمضان 10 أيام. ويقول ابن شهاب الزهري: عجبا للمسلمني،

َِْ ‪َْ َُّ َََ‬ تركوا االعتكاف، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ دخل املدينة

ُِ حتى قبضه الله. فهل يمكننا إعادة هذه السنة الحضارية في بناء الذات لرمضاننا؟ أرجو ذلك.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia