احلوثيون والسباق ضد الزمن
صــــار الــحــديــث عـــن أســـبـــاب الـــحـــرب فـــي اليمن مكررا ولم يعد ما يمكن إضافته، كما أن عوامل اســـتـــمـــرارهـــا صـــــارت مـــعـــروفـــة لــلــجــمــيــع، ولكن العقدة التي ما تمكن أحد -حتى اآلن- من التوصل لتفكيكها هي صعوبة إقناع األطراف اليمنية -وبالذات الطرف الحوثيبـأن التهرب والعناد من تقديم التنازالت التاريخية سيطيل أمدها ولن يساهم في مللمة الجراح الغائرة. لقد وجـهـت فـي السابق انـتـقـادات مباشرة للجهاز التنفيذي للشرعية، ولــم يكن ذلــك تشكيكا فــي رمزيتها وال تخليا عن قناعتي بـأنـهـا الــوعــاء الطبيعي الـــذي يـجـب أن يلتف حوله اليمنيون، ولكني كنت أبــدي رأيــي على أدائــهــا الــذي لـم يكن مناسبًا للحظة التاريخية التي تمر بها الباد، وواقــع الحال أن هذه املاحظات لم تبدأ مع الرضوخ لرغبات الحوثين في 21 سبتمبر 201٤ (أعــنــي اتــفــاق السلم والــشــراكــة الوطنية)، ولكنها كانت سابقة لذلك التاريخ الذي صار العنوان الزمني الذي حينه بدأ االنطاق نحو االستياء على مؤسسات الدولة كاملة في 21 يناير، ثم احتجاز رئيس الدولة ورئيس حكومته وعدد من الــوزراء، لكن العجيب في األمر هو تصور الكثيرين أن انــتــقــاد الــجــهــاز الــتــنــفــيــذي لـلـشـرعـيـة يــصــب فـــي مصلحة الحوثين، رغم أني مقتنع أن ما ال يعيه البعض أنني لم أنصب نفسي مـعـارضـا لـهـا وإنــمــا كـنـت نــاقــدا لتصرفاتها حريصا على تصحيح مسارها الذي يسرع من عملية استعادة الدولة ومؤسساتها، كما لم أكن طامحا -ومازلت كذلك- ملوقع رسمي ال أستطيع االنسجام مع محيطه. لــقــد أدت بــعــض األخـــطـــاء الــتــي ارتــكــبــتــهــا مــؤســســة الشرعية ونتائجها في التسبب بتأخر استعادة الدولة، كما أن الخافات بــن أركــانــهــا والــتــي طـفـت عـلـى الـسـطـح سـاهـمـت فــي إضعاف أدائها، ولكن هذا ال يعني أبدا املوافقة أو الصمت أو التغاضي عما يرتكبه الحوثيون تجاه املجتمع بأكمله واإلفــرازات التي أحدثتها تصرفات قياداتهم بضيق أفق وعقم تفكير وابتعاد عن الروح الوطنية الجامعة، والطامة الكبرى هي عدم إدراكهم بالكارثة الوطنية التي تسببوا بها، ويقينا أنهم برعونتهم وتعصبهم وقـسـوتـهـم املـفـرطـة تــجــاه خـصـومـهـم قــد أفسحوا املجال واسعا لعمليات انتقام ستطالهم ومناصريهم، وأخاف أن يـتـجـاوز األمـــر فيصيب كــل الـهـاشـمـيـن فــي الـيـمـن رغــم أن عـــددا كبيرا الــتــزم الصمت إمــا خشية االنـتـقـام مــن الحوثين وإمــا ألنـهـم صـــاروا -ظـلـمـًا- محل شـك وريـبـة مـن بقية الفئات االجتماعية اليمنية. تـنـطـلـق الــقــيــادات الــحــوثــيــة فــي تـعـامـلـهـا مــع األحـــــداث بأنهم لــم يخطئوا فــي تـصـرفـاتـهـم، وأنــهــم يـقـومـون بعمل ديـنـي هم مكلفون بـه وحــدهــم، وأنـهـم يحملون «رســالــة قـرآنـيـة» تفرض عليهم وحـدهـم مسؤولية تنفيذها، ولـكـن األكـثـر خـطـورة هي قضية «االصطفاء السالي» الـذي حــددوا نصوصه في وثيقة وقــع عليها عــدد مـن كـبـار علماء املـذهـب الــزيــدي ومنحت فئة اجتماعية واحــدة حق تولي ما أطلقوا عليه «اإلمــامــة»، ورغم إنكار وجود مثل هذا النص التاريخي إال أنهم يمارسونه في أسلوب الحكم في املناطق التي يسيطرون عليها، ويكفي للتدليل على هذا األمر أن جماعة الحوثين تتعامل مع زعيمها (السيد) عبدامللك الحوثي على أنه (القائد) تاركة له حرية التصرف في كل القضايا الكبرى، وبلغ األمر حد تنزيهه عن الخطأ واالرتفاع به إلى درجـة القداسة، وتتجنب الجماعة إضفاء لقب (اإلمام) تفاديا لحساسيته أمام اتهامها بأنها تريد عودة حكم (األئمة) للباد بعد أن انتهى في 26 سبتمبر .1962 خال السنتن األخيرتن ارتفعت النبرة التي تتناول الحرب اليمنية من زاوية مذهبية فتحول األمر إلى سباق محموم حول تكفير كل طرف لخصمه، وفي مجتمعات يتدنى التعليم فيها صـار الناس يتناولون األمـر كمسلمات وحقائق ثابتة، وهذا ال شك سيترك جروحا أكثر عمقا وتأثيرا على املــدى الطويل وسيكون من الصعب استعادة السلم االجتماعي دون إرادة قوية واستقرار نسبي، واألهم من كل هذا نمو اقتصادي يتيح للناس االنـشـغـال بحياتهم اليومية وتـأمـن حاضرهم ومستقبلهم، ولعلنا نستفيد من تجربة رواندا التي تناولتها هنا في شهر مــارس املاضي بمقالة بعنوان (روانــدا بن التصفية العرقية واملصالحة الوطنية)، فقد تمكنت الحكومة الجديدة -هناكبالتركيز على التنمية من استعادة تدريجية للتعايش داخل الباد، وهي تجربة ملهمة للمجتمعات التي تتعرض لحرب أهلية تحت غطاء عرقي. صحيح أن تجربة رواندا تمر بمرحلة حرجة ولكن األسباب ليست سياسية وإنما ترتبط بانخفاض النمو بسبب األوضاع االقتصادية العاملية، وقد منعت الواليات املتحدة مؤخرا استيراد العديد من املنتوجات املحلية فحرمت رواندا من دخل اقتصادي هام. رغــم اسـتـمـرار جماعة الحوثي فـي اإلصـــرار على مظلوميتها وتوهمها أنهم إنما يدافعون عن الوطن، فإن ما يغيب عنهم هـو أن األغلبية اليمنية واإلقـلـيـم واملجتمع الــدولــي ال يمكن أن يتقبلوا -تحت أي ظـرف كـان- القبول باستياء أي جماعة تعتمد الساح لغة تفاهم، ولعل ثاث سنوات مرت قد أفقدت الحوثين كل البريق الكاذب الذي اكتسبوه قبل اقتحام عمران ثــم صــنــعــاء، وأنــهــم جـلـبـوا بـابـتـعـادهـم عــن الـعـمـل السياسي الكوارث للوطن، والكثير من املخاطر الداخلية، وعلى القيادات الحوثية االقتناع بأنهم جزء من نسيج هذا الوطن ال يتميزون عـن بقية املواطنن بأفضلية وال أحقية بحكم انتماء سالي وهــو مـا سيحفظ لهم الحاضر وألبنائهم وبناتهم املستقبل كغيرهم من اليمنين.