رسالة الثقافة
فــصــل الــثــقــافــة عــن وزارة اإلعــــام خطوة مـهـمـة وفـــي وقــتــهــا، فــرغــم تــازمــهــمــا في البناء اإلنساني، إال أن لكل منهما فضاءه الواسع للمسؤولية، وتكاما في األهــداف تجاه الهوية الوطنية، خاصة في مرحلة مهمة للتحول الذي تشهده اململكة، وما ينتظر من حراك نشط وفاعل على الصعيد الثقافي بأبعاده الفكرية والفنية التي تستكمل منظومة التعبير عن الوطن وسماته وتطلعاته، وتحديات املجتمع في التغيير اإليجابي في عصر التحوالت العوملية. ركائز الحراك الجديد تتمثل في دخول السينما ومن ثم املسرح كشراين للبناء الثقافي عبر استثمارات تقنية وإنـشـائـيـة ضـخـمـة، وهــمــا جــنــاحــان رئـيـسـيـان يحلقان بالفكر واملـنـتـج الثقافي واألدبـــي بترجمته إلــى أعمال فـنـيـة درامــيــة تــقــوم عـلـى تـشـريـح الــواقــع وتــقــدم معرفة حقيقية وهادفة، وتحشد من خالها رؤى األديب واملؤلف واملـنـتـج واملــخــرج والتمثيل وغـيـر ذلــك مـن تخصصات فنية تصهر اإلبـداع املحلي. أيضا وفي مجال آخر نجد عالم الترفيه وهو يدخل عصرا جديدا في اململكة خارج النمط التقليدي، إلى صناعة تقوم على املعرفة وتسهم في تطور املجتمع وتنميته بمفهوم أشمل وأرقى لجودة الحياة، وهذا يندرج تحت مقاصد الثقافة الساعية إلى نهضة حضارية تعزز بناء اإلنسان عبر التربية وتشكيل الوعي واالرتقاء بالسلوك اإلنساني الفردي واملجتمعي والقيم والعادات والتقاليد. هكذا الثقافة بمفهومها الفكري واألدبي والفني وأبعادها االجتماعية تعمل على صياغة الفرد واملجتمع، وتقوي الـنـسـيـج الــوطــنــي والـتـعـبـيـر عـنـه وتـعـمـيـق قـيـم األسرة ورسالتها، وفي هذا يكون الدور الدقيق لإلعام تكاما مع الثقافة لتصل رسالة الوعي إلى عمق املجتمع، فإذا كانت السينما واملسرح محكومتن بعدد املشاهدين فإن اإلعــام بكافة وسائله يسهم في تعميق الــدور الرقابي بالنقد والتحليل للمنتج الثقافي الــذي يعالج قضايا املجتمع ومنظومة القيم، ومثال آخر هو ثقافة االنضباط املروري وحق الطريق وعدم التهور واملضايقة في خلق الـلـه وإيــــذاء اآلخـــر وخــطــورة الـسـرعـة ومــآســي الحوادث املــروريــة ونتائجها السلبية على املجتمع، كـل ذلــك من صميم الوعي الثقافي الــذي يتجاوز املفهوم التقليدي للثقافة وحـصـره فـي املثقفن، فعندما يصل الـفـرد إلى الــوعــي الـصـحـيـح كـثـقـافـة حــيــاة فـــإن الـثـقـافـة تــكــون قد حققت رسالتها تجاه املواطن واإلنسان عموما. أيضا العلم والتأهيل على أهميتهما في التطور والتقدم، لكن التعليم دون بناء ثقافي بالوعي وااللـتـزام يصبح مجردا من ثماره في الحياة، بل يصبح التقدم عبثيا ال طائل منه إال كسب مــادي باإلنتاج أو خـسـارة بإسراف فــي االســتــهــاك، وهــنــا يـمـكـن فــهــم مـعـنـى الــحــفــاظ على املكتسبات الوطنية بالعلم والبناء والتطوير والثقافة الوطنية بل واإلنسانية التي تجعل الحياة أكثر استقامة واإلنسان أكثر إيجابية. والثقافة ال تتجلى فقط في روايــة وكتاب وشعر وغير ذلـك من صنوف األدب، إنما هي في األســاس قـدرة على تشكيل العقل والوعي وربطه بتفاصيل الحياة من خال السلوك املجتمعي والـفـردي الصحيح، وإذا نظرنا إلى شعوب مثل اليابانين والصينين بدرجة خاصة نجد أن محرك األســاس لتقدمهم هي ثقافة اإلرادة وااللتزام يمارسونها ويغرسونها كثقافة حياة وينعكس ذلك في آدابهم وفنونهم ونجحوا في ذلك. لــهــذا فــإن إنــشــاء وزارة للثقافة قـــرار غــايــة فــي األهمية لرعاية الفضاء الرحب للبناء اإلنساني والهوية الوطنية وتعزيز النسيج الوطني ودعم املناخ اإلبداعي والحرية املـسـؤولـة للفكر الــهــادف بـا شطط وال غلو وال تهوين وتـسـطـيـح، بــل رســالــة بـنـاء مـعـرفـي وثـقـافـي للحياة في عصر اإلنترنت والتواصل اإللكتروني الذي يحتاج إلى كثير من العمل الثقافي املتكامل من أجل كثير من الوعي والرشد.