Okaz

تطحن وإال دعوت عليك؟

-

الفن أقدم من اإلنسان، إال أنه غير ظاهر للعيان، هو للخفاء أقرب، وهــو مــن اإلنــســا­ن بمثابة املــجــاز مــع الـحـقـيـق­ـة، إال أنــه انـقـلـب إلى معطى سيئ السمعة، بحكم ارتباطه في الذهنية التقليدية باللهو واللعب. تـجـنـى الـبـعـض عـلـى الــفــن، وفــســر بعضهم مــفــردة (الــفــنــ­ان) بأنه الحمار، استنادًا إلى قول األعشى في حمار الوحش (وإن كان تقريٌب من الشد غالها، بميعة فنان األجاري مجذم) وهذا مجاف للحقيقة ألن الفنان هو من يحس الجمال ويدركه ويحسن التعبير عنه. قبل أن يعرف اإلنسان الفن كان فريسة للبطش وهدفًا لألذى، حتى غدا منصاعًا ومطواعًا ألضعف الكائنات، ما دفعه أحيانًا لعبادة مخلوقات طمعًا في رضاها وخوفًا من سخطها عليه، حتى عرف الفن وتبناه فحد به من توحش الحياة وتغول األحياء، وغدا وسيلة إلشباع الرغبات املكبوتة، متعذرة التحقق، وبـديـال لتعويض ما نفتقده من توازن في العالم املحيط بنا. عندما يعجبنا صــوت أو لبس أو حركة أو تصرف إنـسـان نطلق عـلـيـه (فـــنـــان) والــخــطـ­ـابــة فـــن، والـــوعــ­ـظ فـــن، وإمـــامــ­ـة املــصــلـ­ـني فن، وفـي رمـضـان نبحث عـن الـصـوت الشجي لنصلي خلفه التراويح والتهجد ال لنطرب بل ليالمس وجداننا فنشعر بحالة من التطهر، ونرتقي إلى املثالية أو اإلنسان الكلي كما يقول املناطقة. بعض القراء يبكينا، وبعضهم ندخل مع قراء ته في نشيج خصوصًا عندما يدخل بنا منطقة الضعف واالنكسار بني يدي امللك الجبار، إال أن ضعف فقه بعض األئمة والخطباء يفسد هذه الروحانية، إذ ينتقل من حالة تجل إلى عدوانية، فيخرج من دور وتتلبسه حالة عدوانية «دمر، يتم، احبس، شرد». التعبير العدواني في مقام عبادي ال يؤجر عليه فاعله، واالنفعال التوحشي دافعه تعب واعتالل نفسي ال يعرف عنه صاحبه، وكأنما هو يملي تعليماته ملن ينفذ له رغائبه وينفس احتقاناته، فيرعد ويزبد ويعلو صوته دون أثر إال تدمير حالة وجدانية قل ما تعاد أو تستعاد. قـال املسيح: «قـل اللهم قـو كاهلي، وال تقل خفف أعبائي، أو أهلك أعدائي». روى ابــن عـاصـم الغرناطي فـي كتابه (حــدائــق األزهـــار) أن فالحًا حمل قمحه إلى طحان، فاعتذر عن طحنه كونه يوم راحة للحمير التي تدير الرحى، فقال الفالح: تطحن لي وإال دعوت عليك وعلى دوابك ألني مستجاب الدعاء. قال الطحان «إذا كنت مستجابًا فادع الله يـحـول قمحك دقيقًا، دون أذيــة لـي ولحميري، فذلك أنفع لك، وأسلم لي، وأبرأ لدينك».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia