«صندوق أخضر».. بدد الصيام في ليال سودانية
على الرأس «صندوق»، وفوق الرأس عطية، وأعلى الهامة تقدير وعرفان. هــم أهـلـنـا فــي أقــصــى األرض، يـلـتـحـفـون السماء، ويــتــجــرعــون مـــــرارة األلـــــم، يـعـطـشـون فــا يجدون ســوى الـصـوم قـاربـا يـلـجـأون إلـيـه فـــرارا مـن أرض قاحلة، وعناء أقدام دامية باحثة عن الكأل والعشب، يكتوون بالجوع، فا يجدون سوى غطاء الصوم «فالصوم لهم وجاء». لــكــن رمـــضـــان هــــذا الـــعـــام ألهــلــنــا فـــي قــلــب القارة الــســمــراء، الــســودان، كــان مـغـايـرا، فـالـصـوم بعدما كـــان يـعـمـر فــي أرضــهــم عــلــى مــــدار الـــيـــوم، ويمتد شهرا، ليا ونهارا، بات البارحة يرحل عن ليلهم، ويـبـقـى مـثـل غــيــره فــي الــبــلــدان األخــــرى، نــهــارا، ال يــزيــد، فـطـابـت لياليهم، بـعـدمـا تطيبت أمعاؤهم بما وجـدوه من تمر وسمن وزيـت وزبيب ودقيق، تجمعوا حول السفر الرمضانية، وأعينهم تفيض دمعا أن وجدوا ما يفطرون عليه. أيــقــنــوا وهـــم يــحــمــلــون صــنــاديــق «الـــحـــيـــاة» على رؤوسهم، أن األخوة شريان ممتد من أياد ناصعة البياض مخضبة بـ «علم أخضر» أينعت وتورقت تـحـت ظــال «الــشــهــادة»، أيـــاد ال تـعـتـرف بحواجز الــطــرق، وال بتقاسيم الجغرافيا، تـؤمـن أن الخير يجب أن يصل لكل محتاج شـرقـا وغــربــا، جنوبا وشــمــاال، وتـعـرف أن «عـطـاء الـجـار أبــلــغ»، تنهض ملساعدة من يلجأ لها، وتـبـادر لوضع العون لكل «متعفف»، بح صوته من ضراوة الجوع. فـــي أوديــــــة الـــــســـــودان، وربــــوعــــه، ضــجــت زغـــــرودة أمهاتنا، وهن يفطرن على غيث «سلمان»، ويرددن «الـلـهـم لــك صـمـنـا»، ليسمعها الـقـاصـي والداني، «وعـلـى رزقــك الــذي وهبته لنا مـن أرض الحرمني أفطرنا»، ونحن نقول «اللهم لك الحمد أن قيضت لنا من يسمع نداء الضعفاء من على آالف األميال، فيهب إلغاثتهم».