عيد الفطر األبيض املتوسط
شبه كبير بني الشروق والغروب تتماهى معه وبــه ألـــوان يتعذر معها التمييز بــني لوحتني مــؤثــرتــني بــاالعــتــمــاد عــلــى الــثــقــافــة البصرية لـوحـدهـا ومــن دون قـــراءة متأملة للحظتني تـخـتـزنـان قوة بـالـغـة الــتــأثــيــر، وتــخــتــزالن فـصـاحـة مـذهـلـة بالتعبير ومن خـالل أدوات الـوعـي والـالوعـي لـوال أن إحــدى تلك اللوحتني تعطي واألخـــرى تـأخـذ. واحــدة تتلمس نقطة البداية بينما تقترب الثانية من خط النهاية. ومع ذلك نتساءل باستمرار عن سر الخيط الرفيع الذي يجعلنا ندرك الفرق بني الغروب والشروق. يــتــســارع إيــقــاع الــتــغــيــرات والــتــحــوالت بـنـا وبــدونــنــا، معنا ومـــع غــيــرنــا يــومــا عــن يــــوم، ومـــع كــل تــغــيــر أو تـــحـــول، رغم استمرار املساعي ملواكبة هذه التغيرات والتحوالت للتأقلم والتموضع الطبيعي معها وامتصاص آثارها السلبية، إال أن هناك باستمرار ضحايا لتلك التغيرات. تــعــد األســــــرة كــيــانــا ومــفــهــومــا مـــن أكـــثـــر ضــحــايــا التغيير والتحوالت في أي مجتمع. فهي كبش الفدا والضحية األولى ألغـلـب الـتـغـيـرات والــتــحــوالت فــي املجتمع. ورغــم أن األسرة الـعـربـيـة ومـنـهـا املـحـلـيـة ال تـــزال تـتـمـتـع بـبـعـض بـقـايـا قيم الترابط والتواصل والتراحم والدفء العائلي، إال أنها تواجه كغيرها من املؤسسات غير الرسمية تحديات جمة ومصاعب متعددة تحكمها قيم املجتمع وأخالقيات الفرد ال أكثر وال أقل. ال أعـرف ما الـذي تبقى من روابــط أسرية في الريف، إذا كان الــريــف ذاتـــه ال يـــزال بـاقـيـا، لكننا نستطيع أن نلمس حجم الضرر الذي تتعرض له األسرة من خالل استعراض مناسبة العيد في أيامها الثالثة وما يتخللها من برامج أسرية سواء داخل البيت أو خارج البيت. حــاول كثيرون أن يعوضوا حجم الـضـرر الناتج عـن غياب األسرة في فرحة العيد من خالل املبالغات بالحفالت واملآدب واملوائد مع مجموعات الجيران واألصدقاء أو الزمالء، لكنها مــحــاوالت لــم تنجح ألنـهـا ببساطة ال تـعـوض أهـمـيـة وثقل وحيوية األسرة. هنا أجدني أتوجه لهيئة الترفيه لكي تلعب دورا حيويا مهما في استقطاب األسرة لنشاطاتها وفعالياتها علها تنجح بما أخفق به غيرها، علها تنجح بإعادة مفهوم األســرة للفرحة وإعادة الفرحة لأسرة. ال أعتقد أن هناك مؤسسة تستطيع أن تعوض األسرة، دورها وأهميتها للفرد وللمجتمع، لكنني أتوجه لبعض املؤسسات الرسمية التي بمقدورها أن تعيد األسرة لوضعها الطبيعي أو شــبــه الـطـبـيـعـي وربــمــا دورهـــــا فــي تــأجــيــل انــهــيــار كيان األسرة املهدد بالكثير من املخاطر واألضرار وتشظي الروابط االجتماعية األخالقية. تستطيع هيئة الترفيه وهيئة الرياضة ومؤسسات حكومية وأخرى تطوعية أهلية القيام بترميم العالقات األسرية ومللمة الكثير مما لحق بها من ضرر مادي ومعنوي خالل العقود األخــيــرة. إنـنـي أدعـــو هــذه املــؤســســات وكــذلــك وزارة الثقافة لــدراســة تـوظـيـف مـنـاسـبـات مـثـل مناسبة عـيـد الـفـطـر وعيد األضحى واإلجازات الصيفية وإجازة نهاية األسبوع إلعادة صياغة مفهوم األسرة من خالل ما يقدم ألعضاء هذه املؤسسة داخل املنزل وخارج املنزل من برامج ومناشط تستنطق البعد األسري والتأثير العائلي في الروابط االجتماعية والتفاعالت وصــيــاغــة الــشــعــور بــاالنــتــمــاء، انــســجــامــا مــع كــل املعطيات الجديدة على سبيل إنعاش هـذه املؤسسة التي لو فقدناها ســـوف يــكــون املـجـتـمـع عــبــارة عــن كــائــنــات فــرديــة ال يضبط سلوكياتها سوى القانون، الذي ال يعني شيئا، عندما تغيب بنيته التحتية من األخالق والقيم األسرية واملجتمعية. املــؤشــرات كلها تشير إلــى أن مـفـهـوم األســــرة يتغير وربما يضمحل بشكل متسارع ناهيك عن تغيرات كيان األسرة. فمن ناحية تتفاقم الحمى الفردية وتتعاظم الرأسمالية وتتراجع املـفـاهـيـم اإلنــســانــيــة وأنــســنــة الــعــالقــات وهـــو مــا يـبـاعـد بني أفــراد األســرة ويزيد االعتماد على األجـهـزة الذكية الحديثة والثقافة اإللكترونية بالترفيه واألعمال والتجارة والهوايات واملشاركات والتفاعالت، وهـذا كله على حساب وقت ومكان ودور وأهمية األسرة في املجتمعات. في مجتمع كان منقسما إلى ثقافة ذكور وثقافة نساء، امتدت هــذه الثقافة حتى إلــى داخــل األســرة الــواحــدة وداخــل البيت الواحد، بحاجة لترميم مفهوم األسرة، ليس من هذه الزاوية فــحــســب، ولــكــن مــن حــيــث مــفــهــوم الــشــراكــة األســـريـــة بالقرار بديال عن السلطة األبوية اإللغائية التي بال شك عانت منها مجتمعاتنا كثيرا، تسود فيها الثقافة األفقية جنبا إلى جنب الثقافة الرأسية. فال نصبح كالعيد الذي نبحث عنه في بيت جيراننا، ويبحث جيراننا عنه في بيتنا. فطر مبارك وعيد سعيد أيها الكرام وكل عام وأنتم بخير. * كاتب سعودي