قمة النخوة!

منذ بدأت أزمة االحتجاجات التي خيمت بظاللها على مملكة األردن الشقيق، بادر خادم الحرمني باالتصال على امللك عبدالله وطمأنه بأن اململكة تقف - كعاداتها - موقفها الراسخ املساند قـوال وفعال، وهـذا ليس بمستغرب على اململكة، فخادم الحرمني صاحب مـبـادرات ذات أبعاد ال يفهمها إال العقالء وكل من يتابع أصداء سياسة اململكة الحكيمة إزاء أي أزمة تحل باملنطقة. لم تكن اإلضرابات واالحتجاجات مفاجئة أو طارئة على األردن فهي تراكمات لوضع اقتصادي يسوء يومًا بعد يــوم حتى انـحـدرت مديونيتها إلــى رقم مخيف %95 مقابل الناتج اإلجمالي للدولة، ولم تقف اململكة يوما ما موقف املتفرج، ولم تكن قمة مكة الرباعية التي عقدت قبل ليلة هي أول قمة تتطرق لهذا الشأن بل سبقتها مواقف عظيمة من اململكة ودول الخليج في مراحل مختلفة فقد قدمت دول الخليج لــأردن منذ 2012 وحتى 2017 وبدعوة سعودية منحة قيمتها 5 مليارات دوالر على مدى 5 سنوات لدعم مشاريعها التنموية والخدمية، والتزمت دول الخليج بهذه االتفاقية -باستثناء قطروتزامنت نهاية املنحة مع أزمة اقتصادية عاملية وانخفاض في أسعار النفط مما أجـج هـذه األحــداث ضد ارتـفـاع األسـعـار ومـشـروع ضريبة الدخل الذي تــزامــن مــع تـفـاقـم وتــدهــور وضـعـهـا االقــتــصــادي، علمًا أن الــدعــم السعودي مستمر حتى يومنا هذا وخارج منظومة اتفاقية الدعم الخليجي املتمثل في املنحة املـذكـورة، وهناك مجلس اقتصادي تنسيقي بني السعودية واألردن لـدعـم املـشـاريـع املشتركة وتـحـريـك االقـتـصـاد األردنـــي وهــذا كــاف ألن يفسر االهتمام السعودي بأزمة األردن من بدايتها، ولو عدنا للوراء قليال سنجد أن اململكة قدمت دعمًا اقتصاديًا كبيرًا منذ 2003 تمثل في ضخ نفطي بدأ 100.000ــــب برميل نفط يوميًا ملـدة 3 سنوات أي ما يقارب 20 مليار دوالر قياسًا بأسعار النفط آنذاك. مواقف اململكة إزاء جيرانها ودول املنطقة في األزمات مواقف تاريخية تنبع من سياسة حكيمة هدفها حفظ استقرار املنطقة والتصدي ألي صـدع بني جنباتها، وهذه املواقف ال تنتظر أن تحللها دويالت الشر والفنت التي تتراقص على األزمـات وتؤججها بل يدونها التاريخ في أنصع صفحاته، فقمة مكة مثال انتهت بنتائج فاعلة قوامها مساعدات تشمل وديعة في البنك املركزي األردني بدعم سنوي مليزانية األردن لخمس سنوات قادمة، نعم هذه اململكة وهــذه سياستها مـع أشقائها فحني تقترن األقـــوال بـاألفـعـال ســوف تتبلور الـــرؤى بنتائج إيجابية وفـاعـلـة ومـبـاشـرة، فالقمة انتهت بـاألمـس بإنهاء األزمة بحلول مستدامة تترجم مصداقية انتشال األردن من أزمته وعلى املدى البعيد في صفقة التالحم واألخـوة، فلنترك التاريخ يدون األفعال... ولنترك لغيرنا عبثية البحث في «السواليف» كأكذوبة صفقة القرن! أخيرًا.. نامت األردن بعد قمة مكة قريرة العني بعد أن أسدل أبو فهد الستار على أزمتها باجتماع مهيب تحفه روحانية املكان ونخوة األشقاء األربعة بهدوء وصمت و...«أفعال»!