«فزعة» سلمان.. عندما انتخى «النشامى»
الشــــك أن دعـــــوة خـــــادم الــحــرمــني الــشــريــفــني امللك سـلـمـان بــن عـبـدالـعـزيـز إلـــى قـمـة ربــاعــيــة فــي مكة املكرمة، لحل األزمة املتفاقمة التي تعيشها اململكة األردنية، تدخل من «شقيق» وقت الضيق. ولم تكن بهدف تقديم حلول وقتية مسكنة ألزمــة تتشعب توصيفاتها، وتتعدد أسبابها، ويتعدد الوالغون في تسبيبها، كل بما له من مطامع ودوافع، وإنما حـــلـــول مــســتــدامــة وحـــزمـــة مـــســـاعـــدات اقتصادية متكاملة والتزامات أمام البنك الدولي. امللمح األبـــرز لــأزمــة هــو االقــتــصــاد. وهــي مشكلة ظــلــت تــــالزم األردن مــنــذ قــيــام مـمـلـكـتـه عــلــى هذه الـرقـعـة الـجـغـرافـيـة اإلسـتـراتـيـجـيـة. ذلــك أن األردن يقع في أرض تفتقر للموارد الطبيعية، خصوصًا املياه، والنفط. وزاد هذه املشكلة استفحاال حال االضطراب التي نــراهــا فــي مـحـيـط األردن: فــالــعــراق لــم يـعـد قادرًا على مواجهة تحدياته الداخلية ليمد يـده لجاره عونًا ومساعدة. وسورية في أسوأ حاالتها. وتعد ضراوة الحرب السورية سببًا رئيسيًا في استفحال مشكالت األردن، الذي فتح أراضيه الستقبال مئات اآلالف من السوريني الفارين من بطش وإبادة نظام بشار األسد وجماعات اإلرهاب واالحتالل اإليراني. كما أن الوجود الفلسطيني على التراب األردني ظل وال يزال أحد مسببات التوتر الدائم في هذه البالد، وقد وصل في ذروته إلى مرحلة احتالل األردن في عهد امللك الراحل حسني بن طالل. ومــع رقــة حــال األردن، تعمل إيـــران عـلـى إضعافه لــيــكــون مــعــبــرهــا لـلـضـفـة الــغــربــيــة، مـثـلـمـا دعمت اإلرهــاب ومولته في شبه جزيرة سيناء لتجعلها معبرا لقطاع غــزة، إذ تهيمن على حركة حماس. وتستغل إيران الساحة األردنية من خالل عالقتها املثبتة مع جماعة اإلخوان املسلمني التي نجح امللك عبدالله الثاني في قصقصة أجنحتها في بالده. وفــوق ذلــك كـلـه، يـأتـي تفاقم األزمـــة فـي األردن في وضــع «جيوبوليتيكي» أســـوأ: حــرب فــي سورية، وانشغال الشقيق الخليجي في مواجهة العدوان اإليــرانــي الحوثي على اليمن، وانـهـمـاك مصر في الـحـرب على اإلرهــاب وتصفية الـوجـود اإلخواني فـي االقـتـصـاد والـسـيـاسـة، وتـحـول تركيا إلــى مقر لـلـتـنـظـيـم الـــدولـــي لـــإخـــوان املــســلــمــني، وانغماس النظام القطري في املؤامرات والتدخالت وتحويل اإلمارة الصغيرة جدًا إلى مالذ للجماعات اإلرهابية واملتطرفة، خصوصًا قيادات اإلخوان، و«القاعدة». وبــالــطــبــع، فـــإن األردن لـــم يــســلــم مـــن أذى النظام الــقــطــري الــحــريــص عــلــى مــســاعــدة إخـــــوان األردن عـلـى تصفية حـسـابـاتـهـم مــع الـحـكـومـة األردنية. وال بد من اإلشـارة إلى أعباء األردن حيال القضية الفلسطينية. وتـــــضـــــاف إلــــــى ذلــــــك الــــعــــوامــــل املـــهـــمـــة األخــــــــرى، خصوصًا «وصفة» صندوق النقد الدولي ملعالجة الخلل االقتصادي األردنــي، وكانت أكبر من طاقة األردنــيــني على التحمل، لذلك خرجت التظاهرات الغاضبة في الشوارع لتشل الحركة في البالد، ما استدعى تدخل امللك عبدالله الثاني وإقالة حكومة هاني امللقي، وتكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة، وتوجيهاته بــأن تتم مــشــاورات وحــوار واســع بني مختلف مكونات املجتمع األردنـــي بشأن مشروع قـانـون ضريبة الـدخـل، واإلصــالحــات االقتصادية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي. ولــذلــك كـلـه كـــان البـــد أن تـتـدخـل الــســعــوديــة ألجل اململكة األردنية، ولم تكن مبادرة مستغربة من امللك سلمان بـن عبدالعزيز، فهي فـي حقيقتها امتداد ملواقف نبيلة وأصيلة اتخذتها السعودية إلطفاء الــحــرائــق الـتـي تـهـدد أمــن املنطقة وتــدعــم البلدان العربية واستقرارها. فـقـد اتــخــذت الــســعــوديــة مـــبـــادرات حــازمــة مماثلة حيال دعم البحرين ولبنان، كما عمدت إلى تشكيل التحالف العربي بقيادة السعودية إلعادة الشرعية فــي الــيــمــن الــــذي تـحـتـلـه إيــــران مــن خـــالل عميلها الــحــوثــي. وســـانـــدت مــصــر لــتــقــوى عــلــى مواجهة مؤامرات اإلخـوان املسلمني وتهديد استقرار أرض الــكــنــانــة، وتــخــريــب االقــتــصــاد، وإشـــاعـــة اإلرهــــاب واإلضرابات والتظاهرات. األكيد أن امللك سلمان لن يهدأ له بال حتى يضمن عــودة االسـتـقـرار لـــأردن، ليجد طريقه إلــى النمو واالكتفاء والتفاعل اإليجابي املطلوب مع قضايا أمــتــه. وكـــم كـــان حكيمًا بــدعــوة الـشـقـيـق الكويتي والشقيق والعضيد اإلماراتي إلى قمة مكة املكرمة، وهـذا يلخص قول خـادم الحرمني الشريفني خالل زيـارتـه األخـيـرة إلــى عـمـان: إن أمــن األردن مـن أمن الــســعــوديــة، وإن مــا يــهــم األردن يــهــم السعودية، وما يضرها يضر السعودية؛ ألن أمن األردن جزء ال يتجزأ مـن أمــن األمــة العربية، وكـمـا قــال األمير الـراحـل سلطان بن عبدالعزيز في يـوم ما «األردن في بؤبؤ العني».