الرغبة البائسة
ما زال لديك متسع من الوقت حتى ولو شارف عمرك على بـلـوغ الستني، فما دمــت حيًا فـأنـت قــادر على فعل كل شيء، فالحياة في القلب والعقل ليست في العمر الذي يحتوي على األرقام البسيطة. مهما كان عمرك يجب أن تلزم نفسك كل يوم بتعلم معلومة جــديــدة، وأن تستكشف الـعـالـم مــن حولك بقراءة كتاب أو رؤية فيلم سينمائي أنتجته بعض الشعوب، لتكون على اطــاع على بعض تقاليدهم وطـريـقـة حياتهم، وأن تساعد جــارك فــي الصعاب وتبتسم لكل من تقابله في يومك، إنها أشياء جميلة وغير مكلفة ولكن أمرها بالغ األهمية، فأن تكونوا آبــاء وأمـهـات تسعون خلف التغيير فهذا يعني أن مسؤولية الجيل القادم تقف على أعتاقكم، فالطفل يــتــقــمــص كـــل مـــا يـــــدور حـــولـــه وخـــاصـــة تصرفات والديه. أتـذكـر جـيـدًا أنـنـي كنت فـي فـتـرة مـن الـزمـن جاهلة بأهمية القراء ة وتجاهلتها كثيرًا، رغم حبي للكتابة. وكنت أبـرر عدم القراءة باالنشغال الدائم، ولكنني اكتشفت مــؤخــرًا أن الــقــراءة كـاملـجـاديـف، فبدونها ســيــطــفــو الــــقــــارب بــــا وجـــهـــة مــــحــــددة وستجعله األمواج يتوه في أعماق البحر تمامًا كالذي ال يقرأ سيتوه بكثرة القيل والقال، ولن يعرف أين الصواب وسيكون مقيدًا بآراء اآلخرين، إن ذهبوا يمينًا ذهب خلفهم، وإن انحنوا يسارًا انحنى دون أي حـق ســؤال عـن أيـن املصير؟ الــذي ال يقرأ سـيـكـون فـقـيـرًا حـتـى ولــو مـلـك الــكــون، ففقر العقل ال يستره املال أبدًا. يــجــب عــلــيــنــا أن نــــتــــدارك هـــــذا األمــــــر قبل أن نــتــوه ونـفـتـقـد كــل مــا نـمـلـكـه، فالقراءة والثقافة وأعمال الخير كلها أشياء ليست مكلفة، وبمقدور الجميع فعلها، ولكنها الرغبة البائسة التي بداخلنا ال تثور إال فــي األشــيــاء الـتـقـلـيـديـة، الــرغــبــة البائسة الــتــي بــداخــلــنــا هــي مــن جـعـلـتـنـا نتلهف لجديد اآلخرين ولتبني آرائهم واتباعهم دون أن نــســعــى خــلــف املــعــرفــة والسؤال، الــرغــبــة الـبـائـسـة الــتــي بـداخـلـنـا هــي التي جـعـلـتـنـا نـخـشـع أمــــام الـتـلـقـني واإلنصات للغير، الرغبة البائسة التي بداخلنا هي من جعلتنا نخاف التغيير أو نظنه شيئًا صعبًا للغاية. فـلـيـنـظـر الـــيـــوم كـــل شــخــص إلــــى تــلــك الرغبة بداخله على ماذا تحرضه؟ فلينظر الجميع إلى تلك الرغبة قبل أن تموت بداخله دون أي تقدم.