حتسني املاضي وتقبيح الواقع
لعل تبجيل املاضي بكل ما عليه أحـد مـؤشـرات اإلحـبـاط التي يعاني منها البعض، ولـو رصـدنـا الـواقـع بكل معطياته اآلنـيـة على مستوى األمـــم والــشــعــوب والــــدول، فــأجــزم أن الـبـعـض سـيـذهـب إلــى أنـنـا اليوم صــورة من التاريخ املوغل في املاضوية، بمعنى أننا لسنا في حاجة إلى استعادة التاريخ على سبيل العظة والعبرة، فالحاالت والحوادث واألزمات التي مر بها العرب واملسلمون قديمًا ماثلة للعيان، وما قرأناه رأيناه وسنراه. نعلم أن تاريخنا العربي ال يخلو من إضاء ات إال أنها استثناء، في ظل قاعدة عامة من الحروب والصراعات والغزو (وأحيانًا على بكر أخينا، إذا ما لم نجد إال أخـانـا)، وبعد العهد النبوي وقعت خالفات لم تكن في األصل شرعية، بل هي دنيوية وسياسية ارتبطت بتنافس القبائل عـلـى الــوجــاهــة، ومــن الـسـيـاسـي انـطـلـقـت الــخــالفــات الـعـقـديـة فخرجت الفرق واملذاهب التي ربما لم يتم حصرها ولكل منها أدلته على صحة وسالمة ما ذهب إليه، إما حقيقة أو انتسابًا. وقــعــت بــن األمــويــن والـعـبـاسـيـن مقتلة وحـشـيـة، طــاولــت مــوتــى في قــبــورهــم، وبــاســتــقــراء الــتــاريــخ الــقــريــب، نــكــاد نــجــزم أن ردود أفعال املستعمر الـغـربـي عـلـى الــعــرب، ومــا لـحـق بشرقنا األوســـط طيلة قرن كامل تتحمله الخالفة العثمانية بسبب ما سفكت من دماء وما أحدثه جيشها االنكشاري من انتهاكات خصوصًا في نواح من أوروبا الشرقية ودول البلقان. ويبقى الفرق بن زمنن أن أحدهما مدون في الكتب والوثائق واآلخر متمدد على حيز جغرافي من الكرة األرضية، وال أستطيع الجزم بأن التاريخ تعرض لعمليات تجميل، أو تشويه، لكني وأنـا أقـرأ عن غزو التتار لبغداد، وأستحضر ما عشته وعايشته من أحــداث العراق منذ ،2003 تتلبسني حالة ما أن الفترات املؤملة من التاريخ تعاد وتستعاد، وأستعيد مشاهد من الحروب الصليبية وأنا أرى ما يحدث في سوريا، ولربما ليس لألحداث جديد تقدمه فتعيد نفسها. بالطبع ال يمكن قـــراءة الــتــاريــخ مـوضـوعـيـًا ومـرجـعـيـًا دون إثباتات توثق ما جـرى، واآلثــار لو تتبعناها سنجد منها ما هو مكتوب وما هو مخطوط، ومنها ما يحتمل صدقه ومنها ما نتوقع كذبه، ومفردة التاريخ بذاتها إشكالية بحكم تعدد معانيها بــدءًا من الوقت وليس انتهاء بتدوين األحداث، ويبقى السؤال القائم: ماذا ورثنا من التاريخ؟