رحلة التمشي في الصيف

يقبل الصيف علينا فتقبل األفكار ومخططات السفر ونفتح الخرائط ونلف العالم مـن خـال مـواقـع ووكـــاالت السفر الـعـديـدة، ونستحضر بعض املقاطع املصورة لبعض الـشـاالت والــغــدران واملنابع املائية والسهوب الـخـضـراء، ثـم نحتار في االختيار ثم نسمع من الذين مضوا إلى ما لم نكن مضينا إليه من الجهات مع األصــدقــاء واملــعــارف واألقـــارب، فكل يتحدث عـن وجـهـات ذهــب إليها ال يعرفها البعض، ونسأل: كيف األسعار؟ كيف درجة األمان؟ ما هي أماكن التفسح؟ وأشهر املطاعم واألســـواق، ثـم ننظر بعد كـل ذلـك فـي امليزانية املــقـدرة، فمنا مـن يسرف ويرهق نفسه ومنا من يشدد، وهناك من يقترض ومنا من هم عوان بني ذلك. وهـكـذا تـحـدد الـوجـهـة ومـواعـيـد الـسـفـر، فحيثما ذهـبـت وأيـنـمـا ولـيـت فـي هذه األرض، فثم «ربـعـك» وأهـلـك وجماعتك، وفــي كـل مدينة تحسبك أول داخليها، فستجد فيها مرتكزا يتجمع فيه السعوديون، يتناظرون ويتعارفون ويمألون املـاهـي واملـقـاهـي واملـشـاهـي واملـطـاعـم واألســــواق والــحــدائــق. يلتقون فـي نفس األماكن ونفس األوتيات ويتجاورون في شقق التأجير، معظمهم يبدأ معظم يومهم من بعد العصر إلى ما بعد منتصف الليل. لست معترضًا على كل ما أقوله هنا، خصوصا أنني ضمن جوقة الذين يشدون رحالهم مع العائلة في الصيف، وال أتوقع أن يتوقف الناس عن السفر حتى لو توفرت أسباب الجذب إلى الداخل؛ ألن الناس ميالة إلى التغيير في املكان والزمان وفي تجريب النظر إلى ثقافات وأجناس ومذاقات مختلفة، إال أنني أتطلع إلى اليوم الذي ننجز فيه مشاريعنا السياحية والترفيهية في جزر البحر األحمر وفي نيوم والقدية، وكذلك ما قد تقدمه الهيئة العليا لتطوير منطقة عسير من أفكار ومشاريع، وحينها سأسأل نفسي كم حجم تغير بوصلتنا السياحية من الخارج للداخل؟ وكم حجم الذين سيأتوننا من الذين كنا نذهب إليهم؟ وكم سيضخون فـي شـرايـني اقتصادنا؟ وهــل سيغير الـسـواح الــوافــدون إلينا مـن انغاقنا على أنفسنا؟ من حيث كوننا ال نندمج كثيرًا مع األغراب وال نتخذ منهم أصدقاء، وإذا كان أكثر السعوديني ال يعقدون صداقات أو عاقات ممتدة مع غير السعوديني، رغم كثرة الوافدين من املقيمني الذين يعملون في اململكة في شتى املهن، فلربما أن سبب ذلك هو عدم الندية والفروقات التراتبية العملية، فالسعودي غالبًا مدير وكفيل وهـذا الوافد في درجـة وظيفية ال يفترض أن تسمح غالبًا بإقامة عاقة متساوية مع (السائق والخادمة والعامل في املصنع واملطعم والورشة والحاقة واملــزرعــة واإلسـتـراحـة إلــخ)، وإذا كــان ذلــك كذلك فهل يتغير ذلــك عندما يصبح السعودي هو مقدم الخدمة لهذا السائح األجنبي وهو املرشد والدليل السياحي. األهــم فـي كـل مـا سيأتي مـن املشاريع السياحية الداخلية أنها سـتـوازن األمور، بحيث تجعلنا نوزع رحات استجمامنا، فبعض للداخل وبعض للخارج، وربما قليل للخارج وكثير في الوطن.