Okaz

النسوية بين الاتهام والبرستيج )4-3)

- * كاتبة سعودية

«يـــا امــــرأة أعـطـتـنـي الــحــب بـمـنـتـهـ­ى الحضارة.. وحاورتني مثلما تحاور القيثارة»، المقال الثالث عـن الـخـطـاب المجتمعي المـوجـه لـلـمـرأة العربية، ولـعـل قـصـائـد نــزار مـن أكـثـر الـنـصـوص جــدلا ما بن إنصاف المــرأة العربية والنظر إليها كشريك عاطفي مبادر ومستقل الإرادة وبن من يراه يبتذلها بالتأكيد ليس هذا محور حديثنا اليوم، لكن اخترت هذا البيت كاستهلالية لمقال جاء بعد سرد مكثف ما بن المفاهيم والمنهجيات العلمية لنواصل السلسلة النسوية المختصرة التي تنتهي الخميس القادم بمقال «ما بعد النسوية، وما بعد التمكن وخطة عمل مقترحة». يعتبر طــور الـخـطـاب المجتمعي مـن أبــرز أطـــوار الفكر النسوي عبر التاريخ والذي أكدت سابقا بأنه الأبرز والأكثر تأثيرا، فاللغة تخلق الهوية، نحن نصدق ما نقوله لأنفسنا بشكل أو بـآخـر والـهـويـة الـتـي أعنيها هي إجابة للسؤال المختصر «من أنـت؟»، لماذا نؤكد على أهمية التحليل الـسـردي فـي الأبـحـاث النسوية، لأن الـعـبـارا­ت التي تتناول المــرأة تشكل جـزءا كبيرا من وعـيـهـا بـذاتـهـا، فكيف لـنـا أن نـطـالـب المـــرأة بالثقة بنفسها وهي تتربى على الضعف والعبارات السلبية التي تحط من قيمتها الإنسانية «لا تبك كأنك بنت، هــم الـبـنـات لـلـمـمـات، الـبـنـت عـــار، المــــرأة عاطفية... إلـخ»، والأســوأ عندما يتم توظيف الخطاب الديني وانتزاعه من سياقه التاريخي ليسقط على مواقف حياتية عامة، ولعل أبرزها «ناقصات عقل ودين، لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، وغيرها من العبارات التي جاءت في سياقات خاصة تم توظيفها عبر التاريخ لنقل المئة عام الماضية في هضم المرأة وتغييبها عن المشهد السياسي والاجتماعي في محاولة لحصر دورها فقط في الإنجاب، إن هذا التغييب لم يكن عشوائيا، بل هو سلوك تاريخي في المجتمعات البشرية، فتقول جـوديـث بتلر إن الـهـدف مـن تغييب المــرأة عـن المشهد السياسي هـو تقليل عـدد المـنـافـس­ـن! فـالمـرأة الغربية لـم تنل حـق ممارسة التصويت والانتخاب إلا في السنوات الأخـيـرة، ولا تـزال تنازع بقية حقوقها المجتمعية أمام سطوة الخطاب الذكوري. عـنـدمـا تصيح المـــرأة مـــرددة «المـــرأة عــدوة المـــرأة» بـهـذه العبارة الخطيرة جـدا تجعلك تفهم أنـك أمـام إنسان لا يـدرك هويته ولا يتوافق معها، هـذه الـعـبـارة السامة التي تـم تسريبها فـي دماء النساء لتتوهم أن كل امـرأة منافسة لها، وكل امـرأة خطر عليها وعـلـى زوجــهــا وحـيـاتـهـ­ا، تـجـعـل المــــرأة تـتـجـاهـل هـنـا تحزبات الــرجــال وقـوتـهـم المجتمعية ودعـمـهـم لبعضهم الـبـعـض حتى في عـداواتـهـ­م، بل تجدهم لا يعلنون الـعـداء بالطريقة الساذجة والـحـمـقـ­اء الـتـي تـتـبـجـح بـهـا بـعـض الــســيــ­دات لـلأسـف بينهن، أخـبـرنـي أحــد الأصــدقــ­اء بـأنـه يتعجب مــن سـلـوك الـسـيـدات في احتقار صديقاتهن وعدم التحرج من تشويه سمعة فتاة جميلة وناجحة أمام الرجال فقط لتظهر بأنها أفضل! قاطعته، بأن مثل هـؤلاء أنظر إليهن كضحايا، فهي تعتقد أنها لن تكون ناجحة إلا بفشل من حولها، لأنها تشربت هذا الخطاب الـذي جعلها لا تتصور نجاحها ولا تستمتع بجمالها إلا من خلال المـقـارنـ­ات التي لا تنتهي! وهـذا امـتـداد لثقافة الهدر النفسي المتأصلة في الحياة الاجتماعية لدينا وبشكل كبير. إذن الخطاب المجتمعي له سطوته على المـرأة نفسها وعـلـى نـظـرة المـجـتـمـ­ع لمـنـجـزات­ـهـا، لــذا أجــد مـن المهم التوثيق للتاريخ قــرار معالي الـوزيـر عــواد العواد، الـــذي نـص عـلـى مـنـع أي مـحـتـوى إعـلامـي ذي دلالة سـيـئـة لــلــمــر­أة والــتــرك­ــيــز عـلـى المــحــتـ­ـوى الإيجابي، والعظيم فـي هـذا الـقـرار دعـم جانبن على المستوى الـداخـلـي فـي رفــع الـوعـي، وعـلـى المـسـتـوى الخارجي بوقف المحتوى المسيئ، الـذي يتم إعـادة توظيفه من قبل الإعلام الخارجي المعادي للمملكة، والذي يحاول أن يجهض كافة الإصلاحات التاريخية العظيمة التي نعيشها كمجتمع بشكل عام، وكنساء بشكل خاص، ولكن يبقى الآن غربلة مـحـتـويـا­ت مـنـاهـج الـتـعـلـي­ـم وصـنـاعـة مـحـتـوى رصــن وبرامج تعليمية وثـقـافـيـ­ة لـكـافـة الـفـئـات الـعـمـريـ­ة، المـرحـلـة الـقـادمـة هي ما بعد التمكن، فبعد خـروج النساء من عنق الزجاجة بحزمة الأوامـر الملكية التاريخية الأخيرة ننتقل لفجر جديد من العمل والاجتهاد لا مكان للتهاون والتكاسل، تطبيق مفاهيم العدالة والتنوع هو التحدي الحقيقي القادم، فالهدف الوطني الأسمى تمكن العقول المجتهدة بغض النظر عن النوع واللون والانتماء، فلا انتماء بعد الآن إلا للوطن وأرضه ولتسقط كافة الأقنعة!.

 ??  ?? أريج الجهني * areejalaja­hani@gmail.com
أريج الجهني * areejalaja­hani@gmail.com

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia