Okaz

«وضرب الله مثال للذين آمنوا امرأة فرعون»

-

أوردت الزميلة بشرى فيصل السباعي في مــقــال لــهــا فـــي «عـــكـــاظ» حــديــث رســــول الله صـلـى الـلـه عليه وسـلـم «مــا أفـلـح قــوم ولوا أمـــرهـــ­م امــــــــ­رأة». وذكــــــر­ت وجـــــود عـــديـــد من النساء الالتي حكمن وتولني أمر رعيتهن بكل قوة واقتدار، وضــربــت لــنــا مــثــال بـمـيـركـل األملـــــ­ان فــي قــوتــهــ­ا وحكمتها ورجاحة عقلها. ويكفي املــرأة فخرًا أن اإلســالم أعطاها حقوقا كثيرة ومن ضمنها حق الشورى لقوله تعالى: «وشـاورهـم في األمر»، والخطاب القرآني جاء بصيغة العموم يشمل الذكور واإلناث على حد سواء، ولو تم قصره على الرجال دون النساء فهذا يعني أننا قصرنا الصالة والزكاة والفروض على الرجال وأسقطنا ذلك عن النساء وهذا يتنافى مع اإلسالم. يـــقـــول اإلمــــــ­ـام رشـــيـــد رضــــــا، فــــي تــفــســي­ــره لـــآيـــة الكريمة

‪ِْ َِ ُِ‬ ‪ُُْ َْ ُْْ ََْ ََ ُْْ‬ «واملـــؤمـ­ــنـــون واملـــؤمـ­ــنـــات بـعـضـهـم أولـــيـــ­اء بــعــض يأمرون

‪ََ َِ‬ باملعروف وينهون عن املنكر»: أثبت الله تعالى للمؤمنات الــواليــ­ة املطلقة مــع املـؤمـنـن­ي، فيدخل فيها واليـــة النصرة الحربية والسياسية، كما أورد ابن الجوزي في معنى قوله تعالى «بعضكم من بعض»، في الدين والنصرة واملواالة، وفــي هــذا يـقـول ابــن حــزم: «ملــا كــان رســول الـلـه مبعوثًا إلى الــرجــال والــنــسـ­ـاء بعثًا مـسـتـويـًا، وكـــان خـطـاب الـلـه تعالى وخــطــاب نبيه الــكــريـ­ـم، لـلـرجـال والــنــسـ­ـاء خـطـابـًا واحـــدًا لم يجز أن يخص بـشـيء مـن ذلــك الــرجــال مـن دون الـنـسـاء إال بنص جلي أو إجــمــاع، ألن ذلــك تخصيص الـظـاهـر، وهذا غير جائز»، فالفقهاء أوضحوا أنهن ال يخرجن من الخطاب القرآني إال بقرينة. أجـــاز الــشــرع لــلــمــر­أة أن تـتـولـى الـكـثـيـر مــن املــنــاص­ــب التي يتوالها الرجل، يقول الطبري: «يجوز أن تكون املرأة حاكمة على اإلطالق في كل شيء»، ويؤكد عليه الصالة والسالم بأن املرأة راعية في مال زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها. ويقول لها نبي األمة لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم. وقال حماد بـن سلمة: يجوز لها أن تكون قاضية فـي الـحـدود، ويقول الطبري: «ال تشترط الذكورة في القضاء، ألن املرأة يجوز لها أن تكون مفتية فيجوز لها أن تكون قاضية». ويرى الحنفية جواز قضاء املرأة في غير حد وال قود. ويقول املاوردي في (األحـكـام السلطانية): «إن ابـن جرير جــوز أن تتولى املرأة القضاء»، وفي (مجمع األنهر شرح ملتقى األبحر) أنه يجوز قضاء املرأة في جميع الحقوق. وقد ضرب الله مثال للذين آمنوا امــرأة فرعون ولـم يضربه برجل بل استشهد بامرأة لـيـرفـع مــن شـأنـهـا. كـمـا امــتــدح الــلــه ملكة سـبـأ فــي رجاحة عقلها وحكمتها، كـمـا نـجـى الـلـه املـؤمـنـن­ي مــن عـــذاب أليم بمشورة أم سلمة لرسول الله في فتح مكة، واألمثلة كثيرة من القرآن والسنة على رجاحة عقلها. لــقــد قـــرر نــبــي األمــــة بـــأن الــنــســ­اء شــقــائــ­ق الـــرجـــ­ال فارضًا بذلك املساواة بني الجنسني مساواة كاملة تراعي الفوارق الطبيعية بني األنوثة والرجولة واألحكام املالية التي تلقى على الرجل أعباء لم يثقل بها كاهل املرأة، فليس هناك نص يمنع املرأة من الوالية وتولي املناصب العامة. وللحديث الــذي أوردتـــه الزميلة بـشـرى قصة تــروى فهذا الحديث رواه أبو بكرة بسند واه أن رسول الله عندما سمع أن بــوران بنت كسرى تولت حكم فــارس قـال لن يفلح قوم ولـــوا أمــرهــم امــــرأة، وقــد روى الـحـديـث عـنـد مقتل عثمان وقــيــام الـسـيـدة عـائـشـة بـقـيـادة جـيـش مـعـركـة الـجـمـل، وقد طعن املـذهـب املـالـكـي فـي هــذا الـحـديـث بسبب إقـامـة الحد على الراوي بعد شهادته على املغيرة بن شعبة. جــاء فـي كتاب (فيض القدير فـي شــرح الجامع الصغير): «قــال الطيبي: وفــي هــذا الـحـديـث إخـبـار بنفي الـفـالح عن أهــل فـــارس وتـنـبـؤ بــأن الــفــالح لـلـعـرب» ولــذلــك قــال بعض الفقهاء إن الحديث ال يتضمن حكمًا شرعيًا بـل هـو خبر مثل آية «غلبت الروم في أدنى األرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون»، فالحديث فـي عمومه هـو واقـعـة حــال تخص امللكة بـوران ملكة فـارس آنـذاك وليس حالة عامة. ووقائع األحــــوا­ل عـنـدمـا يـتـطـرق إلـيـهـا االحــتــم­ــال فيكسوها ثوب اإلجمال يسقط بها االستدالل. أما الشيخ الغزالي، فيرجع األمــر إلـى نـوع الحكم االسـتـبـد­ادي الــذي سـاد فــارس آنذاك من ملكة مستبدة ال تعرف الشورى، فكان ذلك إيذانًا بزوال الدولة. وبــعــض الــفــقــ­هــاء قـــالـــو­ا: لــو سـلـمـنـا بـــأن الــحــديـ­ـث يــــراد به التشريع وليس مجرد الخبر، فذلك بقصد الوالية العظمى ومنهم ابن حزم، الذي يرى أن اإلسالم لم يحظر على امرأة تـولـي أي منصب، مثل واليــة الـقـضـاء والــــوزا­رة والتعليم والفتوى والـروايـة واإلدارة ونحوها، فهذا مما لها والية فيه باإلجماع، وقـد مارسته على توالي العصور، موافقًا الكاتبة بـشـرى أن هـنـاك نصوصا ال بــد للفقيه أن يزاوج بينها وبني الواقع. لـــقـــد اقـــتـــض­ـــت املــصــلـ­ـحــة وواقــــــ­ـع الـــحـــي­ـــاة مـــشـــار­كـــة املـــــرأ­ة وانخراطها في عجلة التنمية والبناء وكافة أوجه الحياة املختلفة تحت رؤيــة وطنية عـامـرة مثمرة وأن تكون لها الوالية؛ ألنها قادرة على األخذ والعطاء والحوار بمقدار ما تزودت به من العلم واملعرفة، وقدرتها على تولي مناصب الدولة املختلفة وإثبات أهليتها للعمل والـذود عن دينها ووطنها بكل قوة واقتدار.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia