Okaz

ُمداَراة اُملدير

- د. محمد بن طالل سمسم * @mtsimsim

إن كـفـاءة العمل ترتبط بشكل وثيق بكفاءة العاملني، وأخالقيات التعامل والتواصل بني أفراد منظومة العمل والتي من أهم مكوناتها هــي ضــوابــط عـالقـة املــســؤو­ل األول (الــقــائـ­ـد أو املــديــر) باملرؤوسني (املنتسبني أو املوظفني)، حيث يتوجب أن تكون العالقة منضبطة باملهنية ومصلحة العمل، مع مراعاة واجب االحترام والتقدير. إن تقدير واحترام املرؤوسني لرئيسهم أمر مهم، إال أنه يجب أن يكون فـي إطــار االحــتــر­ام املـتـبـاد­ل ووفــق ضـوابـط املقبول اجتماعيًا وفي حدود مصلحة العمل، وال ينبغي أن يتجاوز ذلك إلى اعتبار املدير صـاحـب فـضـل وولـــي نعمة على املــرؤوسـ­ـني، ومــن ثــم يـبـرز التملق والتزلف والنفاق ويجبر املوظف حينها على «مداراة» املدير وتتبع مواطن رضاه وتجنب مواطن غضبه. أحيانًا، نـرى أن املوظفني (املــداريـ­ـن) يضطرون إلـى «مـــداراة» املدير وتــجــنــ­ب مــصــارحـ­ـتــه فـــي إظـــهـــا­ر بــعــض الــحــقــ­ائــق عـــن التحديات واملشاكل (والتي هي حتمًا موجودة في أي منظومة عمل) مما قد ال يناسب ذلك املدير (وال نقول القائد) خوفًا من ردة فعله، ويغدو حينها املـوظـف الـواضـح (الـصـريـح) عضوًا مشاغبًا وغير مرغوب فيه الختالفه عن املحيطني باملدير ممن يغدقون له التبجيل والثناء (فقط). إال أن القائد املوفق يقدر ويثمن، بل ويبحث، عن املوظف الواضح، وحـبـذا لـو كــان أمينًا أيـضـًا، لكي يــرى مـن خالله حقيقة األمــور من الزاوية التي ال يتيسر له في رأس الهرم النظر من خاللها. إن الشفافية والوضوح في التواصل بني أفراد منظومة العمل، بمن فيهم املسؤول األول، ضرورة أكيدة لصالح املنظومة ونموها تحقيقًا لديمومة الترقي، وتقول الحكمة: صديقك من يصارحك بأخطائك ال من يجملها لك ليكسب رضاك، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رحـم الله امــرأ أهــدى إلـي عيوبي، ويقول ستيفن كوفي مؤلف الكتاب الشهير (العادات السبع للناس األكثر فعالية): دائمًا عامل املوظفني كما تحب أن يعاملوا هـم أفضل العمالء، فيما يؤكد بيل غيتس (مـؤسـس شركة ميكروسوفت): جميعنا نحتاج أن نستمع إلى آراء اآلخرين، بهذه الطريقة نتحسن. وينقل عن العالم فولفغانغ باولي (الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء) أنه ذهب إلى حد أبعد من املعتاد في تحفيز من حوله إلبداء الرأي حيث قال للفيزيائين­ي العاملني كمساعدين لـه: «لـن تكون مهامكم ثقيلة؛ فوظيفتكم هي أنــه فــي كــل مــرة أتــفــوه فيها بــشــيء، عليكم أن تـعـارضـون­ـي بأقوى الحجج». تزخر السيرة النبوية الشريفة ألعظم قائد عرفته البشرية صلى الله عليه وسلم بمواقٍف كثيرٍة من حسن القرب والتواصل. «ولــو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من حولك»، والحرص على الرأي واملشورة «وشـاورهـم في األمــر»، ومن ذلك الحادثة املعروفة عندما أخذ عليه الصالة والـسـالم بــرأي أحـد أصحابه (الحباب بن املنذر رضـي الله عنه) بتغيير موقع نــزول الجيش فـي معركة بــدر الكبرى تحقيقًا للمصلحة. املــيــزا­ن فـي الـتـواصـل الـفـعـال بـني أفـــراد منظومة الـعـمـل، بمن فيهم املسؤول األول، هو مصلحة العمل، فال يجب أن يجد املدير غضاضة إذا ما لفت أحد املوظفني انتباهه إلى أمر ال يسير على ما يرام أو أبرز مالحظة تستوجب املعالجة أو نـوه إلى تعارض بعض التعليمات والتوجيهات مع مصلحة العمل. وخالصة القول: فإنه من املهم تبني الشفافية في التواصل واملهنية في التعامل بني كافة أفراد منظومة العمل، بمن فيهم القائد، ويجب أن تكون مصلحة العمل هي األولوية دومًا، ونعوذ بالله من «مداراة املدير».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia