استعادة اخلطاب اإلسالمي السعودي !
جاء اإلعالن قبل أسابيع عن هدنة توصلت إليها اململكة العربية السعودية بني الحكومة األفغانية وحـــــركـــــة طــــالــــبــــان تـــتـــويـــجـــا ملـــســـاعـــي الــــريــــاض «الـنـاعـمـة» الـتـي استمرت شـهـورا دون ضجيج تأكيدا لزعامة اململكة للعالم اإلسالمي . املــشــروع الـسـيـاسـي لـيـس جــديــدا وال زعــامــة الــريــاض جديدة، فمنذ نشوئه على يـد املغفور لـه املـلـك عبد العزيز وهــو يأخذ طابعا إسالميا مستحقا باحتضان اململكة للحرمني الشريفني واملشاعر املقدسة . الجديد في الخطوات السعودية أن الـدائـرة اإلسالمية لم تغب عن صانع القرار في الرياض بل تترسخ وتظهر في أي منطقة إسالمية رخــوة تحتاج لتدخل اململكة، وال يجب أن تغيب عن دوائر التفكير في وزارة الخارجية واإلعالم والثقافة والرياضة وغيرها من مؤسسات عامة ومدنية. إنــه الــدور السياسي املتعاظم الــذي تبذله السعودية الجديدة وتــقــدم نـفـسـهـا مــن خــاللــه لـلـعـالـم، منطلقة مــن رؤيـــة واضحة ستغير ليس وجهها واملنطقة فقط بــل والـعـالـم أجــمــع، إال أن أهميته تأتي من كونه مشروعا حضاريا وليس ايديولوجيا باملطلق . العالم اإلسـالمـي اليوم هو في أمـس الحاجة ملن يمد يـده إليه لـيـنـتـشـلـه مــن بــراثــن الــتــطــرف والــتــخــلــف واالقــتــصــاد املتردي والــخــطــاب املـــا ورائــــــي، ولـــن يــكــون هــنــاك أفــضــل مـــن املشروع السعودي الذي يقوده امللك سلمان وولي العهد األمير محمد بن سلمان للقيام بذلك الدور التاريخي. الرؤية الحضارية التي قدمت الرياض مالمحها في السنوات الــثــالث املـاضـيـة تـغـوص عميقا، تستبدل وتـصـنـع، ولـيـس من السهولة أن تمر دون أن تجد مقاومة أو رفضا أو غيرة، ولذلك فإن هذا املشروع يحتاج إلى خطاب مـواز يشرحه ويدافع عنه ويبرره أحيانا، فاملرتزقة والقناصة في طرقات الحلم يطلقون الرصاص عشوائيا بكل اتجاه الغتياله والقضاء عليه. في الستينات والسبعينات امليالدية وما تالها استطاعت اململكة ترسيخ مكانتها املستحقة كزعيمة للعالم اإلسالمي من خالل توظيف «قوة ناعمة» متقنة، بنت لها أدوات متعددة من أهمها خطاب إسالمي حضاري متسامح، ذلك الخطاب الذي اختطف الحقا على أيدي املتطرفني في إيران واملقطم والصحوة. ولعلنا نـتـذكـر هـنـا تـلـك الــزيــارة الـتـاريـخـيـة للفاتيكان - مقر املسيحية في العالم - العام 1973 التي قام بها العالم السلفي الـجـلـيـل الـشـيـخ محمد الــحــركــان، لـقـد كــانــت دلــيــال عـلـى إيمان املــؤســســة الـسـلـفـيـة الـتـقـلـيـديـة الــســعــوديــة بــهــذا االنــفــتــاح على العالم . مــن يستطيع إنــكــار السمعة الكبيرة الـتـي حققتها املؤسسات املدنية اإلسالمية التي بنتها اململكة، هل نسينا إذاعــة صوت اإلسالم من مكة املكرمة، والبنك اإلسالمي للتنمية واتحاد إذاعة وتلفزيونات العالم اإلسالمي، ووكالة األنباء اإلسالمية وغيرها مــن املـؤسـسـات املـهـمـة الـتـي يمكن إعـــادة تفعيل دورهـــا بغض النظر عن تراجع أدائها، وتوجيهها لخدمة املشروع الحضاري الذي تقوده اململكة . من املهم أيضا أن تكون مؤسسات مدنية إنسانية غير مؤدلجة وال مختطفة، تـصـنـع الــحــيــاة وتــمــد يــد الــعــون دون مساومة وال تمييز، ألن املتطرفني والـلـصـوص واملــوهــومــني باألممية املزعومة واحتكار الحقيقة يتربصون هم أيضا الختطافها من جديد . ولـعـل مــشــروع املـلـك سلمان لـإغـاثـة الـــذي دشــن قبل 3 أعوام وحقق إنجازات كبيرة جدا في وقت قياسي يكون نواة ملشاريع مشابهة أو بديلة للمؤسسات القديمة تغذي املشروع اإلسالمي وتدفع به، تأخذ نفس التفكير والبنية اإلدارية املهمومة بخدمة امللهوفني وإغاثة املحتاجني بدال من أدلجتهم. خـاصـة أن هـنـاك تجربة سيئة عاشها العالم اإلســالمــي خالل الــعــقــود األربــعــة املــاضــيــة بـــدأت فــي أفـغـانـسـتـان ولـــم تنته في ســوريــة الـــيـــوم، مــن بــعــض املــؤســســات والـــزعـــامـــات اإلسالمية التي كانت تطمح وربـمـا ال تــزال أن تستبدل مكة بإسطنبول والرياض بقندهار، أو تحاول اختطاف الدور املشروع للمملكة الذي وهبه الله لها دون منازعة أو سرقة.