أبو الناجي: عربة أطعمة الطائرة.. روت عطش ولهب الرضيع
عن قصة نجاة محمد.. يتحدث األب الفاتح لـ «عكاظ» مسترجعا تفاصيل تلك الليلة السوداء التي اختطفت نصف حياته، إذ توفيت أم محمد فــي الــطــائــرة املــحــتــرقــة.. «الــعــثــور عــلــى الطفل الرضيع حيا كان أشبه بخياالت السينما لكنها إرادة الله. بعد ساعات من تحطم الطائرة تحرك املنقذون وسط األشالء يجمعون الجثث، وكان بينهم رجــل اسمه «قـــوالي» عامل فـي الطيران املــــدنــــي تــنــبــه إلـــــى صـــــوت أنـــــن أســـفـــل شجرة ووجد محمد.. أقسم لي قوالي أن الرضيع كان يــرقــد تـحـت الــعــربــة الـصـغـيـرة املـتـحـركـة التي يستخدمها املضيفون لتقديم الوجبات واملاء للركاب.. العربة كانت مليئة باملياه وتنسكب نقاطها على الرضيع الذي كان مصابا بجروح خطيرة». يــســتــجــمــع األب أحــــزانــــه الــقــديــمــة ويواصل: الــحــادثــة األلــيــمــة زادت األواصـــــر بيننا واألخ قـوالي، منقذ ابني، زارنـي في القاهرة أكثر من مرة، ومحمد ابني عالق وشغوف به. ولن أنسى موقف الشيخ زايد آل نهيان - رحمه الله- إذ أمر بطائرة خـاصـة مجهزة بكل املعينات الطبية مـن سويسرا إلــى بـورتـسـودان ونقلت الرضيع إلى الخرطوم ثم إلى لندن. تكفل رحمه الله بكل مراحل عالجه في ثالثة من أرقـى املستشفيات الــبــريــطــانــيــة. ومـــــــازال أمـــــام مــحــمــد مـــزيـــد من الـعـمـلـيـات التكميلية ونــأمــل اســتــمــرار عالجه دون توقف. ويـــتـــذكـــر األب بــكــل الـــعـــرفـــان والــتــقــديــر رجل األعــمــال املـصـري نجيب ســاويــرس الــذي تكفل بنفقات تعليم محمد حـتـى تـخـرجـه. «موقف ســاويــرس لــن أنــســاه أبـــدا، كــان نبيال وسخيا في أعظم صور التسامح والتعايش. حاولت أن اعتذر له غير أنه رفض وقال لي: ملـــاذا تــريــد أن تحرمني مــــــــــن هـــــــــــــذا الــــــــشــــــــرف. بصراحة كــان إنسانا وكــريــمــا ألبــعــد مدى ولـه الشكر والتقدير. وبــحــمــد الـــلـــه محمد يتقدم في دراسته في أرقى املدارس واملعاهد املـصـريـة واآلن يتحدث ثــــالث لــغــات اإلنجليزية والفرنسية واألملانية. وحول التعويض الذي تلقاه من الخطوط السودانية يقول الفاتح إن شركة التأمن ال الخطوط هي التي دفعت وهي اآلن وديعة لتعن محمد في مستقبل حياته. وعن ظـروف وطبيعة الرحلة الجوية الكارثية يــقــول األب إن زوجــتــه وابــنــه مـحـمـد كــانــا في طريق الـعـودة للخرطوم بعد حضور مناسبة زواج ألحـــد أقــاربــهــم، وبــســبــب ظــــروف طارئة تخلف هــو عــن الـسـفـر ومـعـه طفلته «لـيـنـا» إذ كـانـت فـي روضــة أطـفـال وقــتــذاك واآلن تستعد لدخول كلية طب األسنان. يواصل األب «محمد.. ولد مبروك مـــنـــذ مـــــيـــــالده كـــــل خطواته مـــــيـــــســـــورة، كــــــل الــــعــــوائــــق تـزال أمامه، ملتزم دينيا وأخــــــــالقــــــــيــــــــا وخــــــــــــدوم ومـــــطـــــيـــــع، ومحبوب وسط زمالئه في مكان دراســـــــتـــــــه، وأذكـــــــــــر أن زمالء ه في مصر طلبوا مـنـه ذات يــوم أن يروه دون ساقه االصطناعية فلبى طلبهم. ويؤكد ذلك ثقته بنفسه واعتزازه».. يــــضــــيــــف الــــــفــــــاتــــــح: عندما وصــــلــــتــــه الــــــدعــــــوة مــــــن األمــــيــــر سلطان بن سلمان لزيارة السعودية وأداء العمرة لم تكن الفرحة تسعه. شــكــرا لـأمـيـر اإلنــســان عـلـى موقفه ومبادرته واألمـر ليس بمستغرب على اململكة التي عرفت بمواقفها اإلنسانية مع كافة شعوب األرض.