Okaz

السيطرة اإلدارية والسيطرة الفكرية

-

بقدر ما تكون عاقة اإلنسان الروحية بالله صافية ونقية، قدر ما يتجلى وعيه باحترام أخيه اإلنسان وانسجامه مع الطبيعة ومراعاة املجتمع وحـفـظ مـقـام الــدولــة، وكلما زاد تــديــن املسلم بحسب الـشـواهـد اشتغل املتدين على عيوب نفسه، والتزم بتصحيح مساره الفردي، حاديه في ذلـك قـول الحق تبارك وتعالى «يـا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، ال يضركم من ضل إذا اهتديتم» دون التفات للتفسيرات الحزبية لآية وأن الناس يضعونها في غير موضعها. كل ذلك استنادًا إلى أثر ضعيف، فكام الله الصريح ال يحتاج إلى توضيح. أدخلت املفاهيم الحزبية على املؤمن الفرد ما ال طاقة له به، فأخرجته عـن إطـــاره الـخـاص املبني على العناية بنفسه (عليك نفسك) وأصبح شغله الشاغل ماحقة الـنـاس، ومراقبة املجتمع، وفــرز األفـــراد بحسب ضوابط التصنيف (اإلخواسرور­ي)، وكل هذا االفتعال الكبير إلشكاالت التدين والعبادات تنفيس عن احتقان انكسارات منيت بها الحزبية في ظل تماديها بتنسيب املطلق تنسيبًا اجتماعيًا أو االرتـفـاع بالنسبي اجـتـمـاعـ­يـًا إلـــى مـسـتـوى املـطـلـق بــهــدف شـرعـنـة الـتـنـظـي­ـمـات الحزبية املضخمة أخطاء الحكومات، واملصغرة واملتغاضية عن خطايا نفسها. عبر التاريخ كان للدولة وال يزال مؤسساتها، وبعض املؤسسات معنية بالجانب الروحي، والدولة تختار القيادات في جميع أجهزتها، وتبني ما تحتاج من عمارات، وتؤثث املكاتب، وتدفع تكاليف العطور والبخور ولوازمها، والحكومة برحابة صدرها وحسن ظنها تستوعب العاملني فــي إداراتــهـ­ـا وتــمــول موظفي املـؤسـسـا­ت الدينية باملفهوم اإلداري أو االختصاصي، ولم أقل الشرعية خروجًا من أزمة املصطلحات. عندما بدأت الجماعات الحركية األصولية نشاطها داخل اململكة، كانت تتودد وتجتهد في تفريخ أعضاء جدد، وتحاول أن تظهر أنها تتبنى الدين الرسمي للدولة، وتمارس أبشع صور التعامل لتنفير املجتمع من اإلسام التقليدي والرجعي أو البدوي بحسب وصفها، لتقدم البديل من خال فقه ال يرى بأسًا بكشف الوجه، وال حرمة لسماع األغاني، ويتساهل مع الناس في الربا واملقاهي واملاهي لكسب تعاطفهم؛ ألن مشروعهم تغيير السائد والوصول إلى سدة الحكم وفق تأويل خاص للنصوص ينسجم مع رؤية املرجعية. ربما تغيرنا اليوم كثيرًا، وأدركنا فداحة ما وقع لنا طيلة عقود بسبب األفــكــا­ر الدخيلة على اإلســـام النقي، إال أن السيطرة على مؤسسة ما إداريا، ال يعني التحكم الكامل في أفكار وانفعاالت موظفيها، فاألفكار ال يضبطها وال يديرها بموضوعية إال حسن االنتماء للوطن.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia