Okaz

إيران.. احلصار ليس لعبة

- محمد الدليمي * al.dulaimi@hotmail.com * كاتب عراقي

ذكرت األخبار الواردة أمس من طهران أن سعر التومان اإليراني وصل إلى ما يزيد على املئة وعشرين ألفا مقابل الدوالر األمريكي، وربما سيصل إلى نصف مليون أو أكثر مع بدء سريان العقوبات األحادية األمريكية على إيران مطلع نوفمبر القادم. من الطبيعي أن أي شخص يتمتع بأي قدر من الضمير ال يتمنى أن يكتوي أي شعب أو أي إنسان بنيران تلك العقوبات، فكيف إذا كان ينتمي لبلد مثل العراق قد سبق أن عانى من لظى جمر هذه العقوبات والحصارات الدولية التي سببها ضعف الحسابات السياسية للحكومات أو ارتكازها إلى فكرة قوة النظام العسكرية والعنفية، فببساطة أنت تقف أمام غول اسمه االقتصاد كما قال عنه البروفيسور تيري رامسي أستاذ االقتصاد بجامعة بنسلفانيا؛ هذا الغول ال يفهم مفردات السياسة ويجب أن تتعاطى معه بلغة األرقام؟ أتذكر أن الدينار العراقي في الثمانينات كان يساوي ثاثة دوالرات ونصف وفــي مطلع التسعينات صــار كـل دوالر أمريكي يـسـاوي ثاثة آالف دينار، وقد شاهدت بعيني كيف أن التجار في سوق الشورجة العراقي الذي يماثل تقريبا بازار طهران، كيف أن هؤالء ال يقومون باستخدام مكائن عد النقود لثقل حجومها وأنـمـا كـانـوا يستخدمون مـيـزانـًا مخصصًا لــوزن جواالت الطحني والرز ملعرفة كميتها باملقاربة. هذا مع ثاثة آالف، فكيف حال إيران وأسواقها وشعبها املغلوب على أمره مع عملة سعر صرفها أصبح بمئات اآلالف؟ إيران النظام وإيران الشارع بينهما بون واسع، فالشعارات ال تنفع والصراخ والتهديدات لن تجلب فائدة للشعب الذي سيكون عليه أن يسلك واحدًا من طريقني إمــا املــوت الـبـطـيء أو الـتـمـرد على الحاكمني الــذيــن ال تـعـرف بأي أسلوب يفكرون وهم أدرى بمسالك دروبهم الوعرة وربما ال تنفعهم الرسائل التي نقلها الوزير العماني ابن علوي إلى دهاليز اإلدارة األمريكية والتي ال أحد يعرف فحواها، لكن املراقب يستشف مضمونها من تغير لهجة الرئيس األمريكي ترمب خال أسبوع من تهديد ووعيد إلى دعوة روحاني للحوار والـلـقـاء مــن دون شـــروط مسبقة، وهــي يـبـدو نصيحة عـمـانـيـة ألمـريـكـا أن الجماعة يبلغونكم السام ومستعدين للتفاهم فقط ألقوا لهم سلم النزول من الشجرة العالية بكرامة، وهـذا ما تفسره حدة تصريحات قائد الحرس الثوري من أنهم سيمنعون بالقوة الرئيس روحاني من الذهاب للتفاوض مع األمريكان أن تطلب ذلــك. فأنت هنا لست في فنلندا أو الدانمارك، أنت في إيــران النظام املحكوم واملهيمن عليه من طـرف املرشد األعلى خامئني ويسيطر بإرادة مركزية؛ ففي إيران دائمًا إذا ما أردت التدقيق في التصريحات فتش عن املرشد، فهو الذي يمسك بكل خيوط اللعبة هناك. األمـريـكـ­ان بتقديري وتقدير كثير مـن املحللني ال يـريـدون حربًا مـع إيران، وهـــذا مسلم بــه، إنـمـا يــريــدون تغيير سـلـوك الـنـظـام بـتـجـريـد­ه مــن الساح الــنــووي ووقـــف تـدخـاتـه وتـخـريـبـ­ه للمنطقة، وأن يتعايش نـظـام طهران بسام مع محيطه، لكن من غير املفهوم وبصراحة ماذا تريد سلطنة عمان التي تهب كلما هبت رياح الغرب على إيران لنجدتها من مآزقها العديدة، وهــي الشقيق الــذي نجله ونحترمه، ولها مكانة عظيمة فـي قلوب العرب بتاريخها وحكمتها وعقانيتها، فهل تـريـد إيـــران نــوويــة أم إيـــران التي تسيطر وتـدمـر اليمن العربي عـن طريق وكيلها الحوثي أم إنـهـاك العراق البلد العربي ذي اإلسهام الحضاري الـذي يصرخ ويئن شعبه كل يـوم في تظاهرات تجوب مدنه وقراه ضد سياسات إيران وهيمنتها.. أم أن السلطنة ال تــرى بعني اإلشـفـاق قطرًا عربيًا صغير املساحة مثل لبنان وكيف ألقى القبض على قراره وكيل إيران العلني في املنطقة حسن نصرالله وحزب الله؟ الجميع يتمنى إليران البلد ذي الحضارة والتاريخ العريق أن يعيش بسام وأمـــان، وأن ينتفع شعبها بـمـوارد بـادهـا، لكن ال أحـد يريد إيــران املدرعة بترسانة نووية عسكرية وآالف الصواريخ بعيدة املدى، فلمن كل هذا؟ إيران دولة محظوظة، فليس هناك من يشكل خطرًا عليها أو يهددها بحرب إذا ما اختارت العيش بسام، ودعوة ترمب لها للحوار ال تعني تغيير الهدف من السياسة األمريكية، إنما فقط اختبار أسلوب جديد لعله يجدي، وبتقديري أن الـوزيـر العماني أبلغ ترمب برغبة املـالـي، واملـوضـوع فقط يحتاج إلى بعض الوقت وقليل من الضجيج.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia