إيران حتت وطأة العقوبات
منذ فجر أمس بدأ تطبيق حزمة من العقوبات األمريكية شديدة الوطأة على النظام اإليـرانـي، سوف تطال هذه العقوبات الشركات الكبرى التي تتعامل مع هذا النظام، عـلـى الـصـعـيـد الـفـرنـسـي عـلـى سـبـيـل املــثــال ســـوف تــطــال العقوبات شركات السيارات التي تجد لها سوقا في طهران. ولكن بالرغم من التجارة الكبيرة بني هذه الشركات والسوق اإليرانية فإنها لن تجد بدا من الخضوع للعقوبات األمريكية، منها على سبيل املثال شركة رينو للسيارات، والتي اضطرت إلى االستجابة للعقوبات األمريكية وأن تقلص تجارتها مع الجانب اإليراني. إن لدى اإلدارة األمريكية من الوسائل ما يمكنها بأن تكون عقوباتها االقتصادية مؤثرة ومؤملة على الجانب اإليـرانـي وهــذا ما بـدأ يظهر بالفعل على أرض الواقع فــي إيـــــران، مــن خـــالل مــظــاهــرات تـجـتـاح املـــدن اإليرانية وتطال على وجـه الخصوص أحزمة الفقر والـعـوز. ومن املتوقع أن تتوسع هذه االحتجاجات في الفترة القادمة، حيث يـرى املـواطـن اإليـرانـي أمـوالـه تهدر على صراعات أيديولوجية ال طائل منها سوى اإلساء ة إلى دول الجوار وتـهـديـم الـبـنـى االجـتـمـاعـيـة، نـاسـيـة أنــهــا جــزء مــن هذه املنطقة وأنها تمتلك تنوعا اجتماعيا ال يقل عن الدول التي تـحـاول تمزيقها، وفـي نهاية املـطـاف فـإن مـن يبذر الشوك ال بد أن يجني الجراح. يمكن أن يـقـال الكثير عما أوصــل الـعـالقـات األمريكية - اإليرانية إلى هذا الحضيض، ويمكن أن يسال حبر كثير عــن األســبــاب والـسـيـاسـيـات اإليــرانــيــة فــي املنطقة والتي وسمت السنوات األخيرة. ولكن السؤال الـذي على حكام إيران أن يطرحوه، هو عن ردود الفعل العربية خصوصا في دول حيث إليــران وجـود ميليشياوي. إنـه باختصار شعور باالرتياح يمكن أن يوصف فيه ردود فعل شعوب هذه املنطقة، ليس فقط لدعم إيران لحكومات فاسدة في العراق، وليس فقط ألنها تؤسس وتسلح وتدرب ميليشيات إرهابية في اليمن والعراق ولبنان وسورية، وليس فقط ألن إيران أشعلت حروبا طائفية، فكانت شريكة للتنظيمات اإلرهـابـيـة بالرغم مـن ادعـاءاتـهـا الكاذبة بأنها تحارب اإلرهاب، ولكن قبل ذلك كله فإن نظام املاللي أوصل رسالة إلى الشعوب الـعـربـيـة بــأن صــراعــه معها هــو صـــراع وجـــود ولـيـس صـــراع حدود. ليس صـراعـا على مصالح ولـيـس صـراعـا على أفــكــار، وإنـمـا صراع على وجـود قومية وهوية مغايرة لنظام الولي الفقيه، والـذي يحلم أن تكون شعوب هــذه املنطقة طــوع بنانه. وإال كيف نفسر عمليات التهجير املنظمة الـتـي تـقـوم بـهـا امليليشيات اإليــرانــيــة فــي سورية وقبل ذلـك في الـعـراق. وإال كيف نفسر عمليات التغيير الديمغرافي في مناطق واسعة في العراق، وإال كيف نفسر شعارات املوت ألمريكا بينما القتل يطال العرب واملسلمني في الدول املجاورة. سياسيا وعقالنيا وأخالقيا ومنطقيا حـان الوقت للنظام اإليراني وحكامه أن يتأمل في صورة املشهد بكليته وأن يعيد النظر بسياسته في املنطقة وتجاه الشعوب العربية على وجه التحديد، ولطاملا كانت أيـــادي الـحـكـومـات والـشـعـوب مــمــدودة إليـــران عندما أرادت عالقات حسن الجوار وعالقات تحافظ على العمق التاريخي للشعبني العربي والفارسي. ولكن هذا النظام لم ير في الشعوب العربية سوى نظرة طائفية ضيقة، لذلك يبدو النظام ماضيا حتى النهاية في سياساته. اآلن على النظام اإليــرانــي أن يـواجـه 3 جبهات، األولـــى هـي الجبهة الـداخـلـيـة الـتـي لــم تـعـد تستطيع أن تتحمل أكـثــر مــغــامــرات النظام في اإلقليم وإهماله شعبه واقتصاده وتدهور أوضاعه، حيث البطالة املتفشية وحـيـث تنهار العملة اإليرانية. لذلك ما بدأ احتجاجات مطلبية خالل السنوات املاضية وتحول إلى حالة يومية خالل األسابيع القليلة املاضية، فإنه ينذر النظام بـأن شرعيته الداخلية وحالة الصمت التي ميزت العقود املاضية ال يمكن أن تستمر إذا استمر االنهيار االقتصادي وعبث القائمني على األمر هناك. أما الجبهة الثانية فهي املجتمع الدولي والذي بفضل تغير في السياسة األمريكية أصبح هناك إرادة من أجل وضع حد للعبث اإليراني في املنطقة، صحيح أن هناك خالفات واختالفات بني الــدول الفاعلة على املسرح الـدولـي حول أسلوب التعامل مع إيران إال أن هناك إجماعا على ضرورة أن يغير النظام اإليراني من سلوكه وسياساته. وبالرغم من اإلشـارات الصادرة من أوروبـا أو أطـراف دولية أخرى حول معارضة السياسة األمريكية إال أن ذلك لن يفيد إيران ولن يخفف من الضغوط االقتصادية من جهة ولن يمنع هذه الدول من معارضة السياسات اإليرانية من جهة أخرى. أما الجهة الثالثة فهي شعوب املنطقة التي تواجه إيران وميليشياتها وستواجهها حتى يخرج الغزو اإليراني صاغرا من الـدول العربية، ويتوقف عن تدخالته التي عاثت فسادا في الدول العربية التي وصفها أحد الجنراالت اإليرانيني بأن عواصمها محتلة من ميليشيات إيران. على إيران أن تقرأ التاريخ جيدا وتعلم بأنه مر على هذه الدول طغاة وغزاة من املغول حتى االستعمار الغربي، مرورا بالتتار والصليبيني واألتـــراك وغيرهم. ولكن هـذه األرض لفظتهم وبقيت األرض عربية وستبقى إن شاء الله.