عن تعز واحلديدة
الــدعــوة الـتـي وجهها السيد مـارتـن غريفيث املبعوث الخاص لأمن العام لأمم املتحدة لعقد لـقـاء بـن الحكومة املعترف بها دوليًا والـحـوثـيـن، أثـــارت الكثير مــن الــتــســاؤالت حــول جدواها والــغــرض منها فــي هــذا الـتـوقـيـت، خـصـوصـًا مــع اعتقاد البعض من مؤيدي القوة أن استعادة الحديدة ومينائها من سيطرة الحوثين صار أمرًا ال مفر منه، في الوقت الذي تحذر فيه كافة املنظمات الدولية من العواقب الكارثية حال عــدم تجنب املـعـركـة والـتـوصـل إلــى اتـفـاق ينهي مخاوف اليمنين، خصوصًا سكان املدينة. ومـن املستغرب أخالقيًا أن أغلب املتحمسن للمعركة هم اليمنيون املقيمون بعيدًا عن الساحة وحرائقها. لقد كتبت كثيرًا عن الحديدة ومخاطر العملية العسكرية الــتــي يــريــد الــتــحــالــف الــعــربــي بــقــيــادة املــمــلــكــة العربية الــســعــوديــة تـجـنـب خــوضــهــا ويــرغــب فــي إتــاحــة الفرصة لجهود املبعوث الخاص إلى صيغة يصبح معها امليناء بعيدًا عن مرمى الشكوك من الطرفن ويستفيد املواطنون مــن خـدمـاتـه دون مـعـوقـات وتــعــود مـــوارده لـلـدولـة، وهي خطوة إذا تم التوصل لها فإنها ستسهم حتمًا في مسار إعادة الثقة التي تفتح املجال للقاء قادم أكثر فائدة. هناك قضية أخرى ال تقل أهمية عن الحديدة، وهي حصار تعز من قبل الحوثين. يعلم الجميع أهمية وحيوية تعز في أي اتفاق قادم يأمل اليمنيون واإلقليم أن يكتب له النجاح واالستمرار لوضع حد ألحـزان ودمـاء اليمنين، ويتذكر الكثيرون املحاوالت الــتــي تــعــددت لــرفــع الــحــصــار الــــذي فــرضــتــه امليليشيات الـحـوثـيـة عـلـى مــداخــل املــديــنــة، ولــم تنجح بسبب انعدام الثقة بن أبناء تعز الذين توزعت والءات أغلب قياداتهم خارج املحافظة، وكان غياب القرار املحلي هو املعوق ألي تفاهمات كان من الواجب واملمكن التوصل إليها مبكرًا. ال شك أن بدايات املعركة في تعز كانت بن أطراف معروفة التوجهات واالنـتـمـاءات الحزبية، ولكن طـول أمـد الحرب أنتج تجمعات صغيرة شرسة تتوزع النفوذ داخل املدينة وفــي محيطها، وهــو أمــر يعقد الـتـوصـل إلــى اتــفــاق يفك أســر املـديـنـة وخــاصــة تـأمـن مـنـافـذهـا، ومكمن الصعوبة هنا أن قــيــادات هــذه املجموعات صــارت تجد فـي الحرب مصدر إثراء ونفوذ سيزوالن بعودة الحياة الطبيعية إلى املحافظة، وهي قضية تحتاج إلى تفاهمات كبرى لم يكتب لها النجاح حتى اآلن بسبب انـتـزاع الـقـرار السياسي من قياداتها الفاعلة لصالح قيادات حزبية تعيش آمنة بعيدًا عن تعز. لــيــس أمـــــرا بــعــيــدا عـــن الــحــقــيــقــة أنــــه رغــــم الــتــنــازع داخل املحافظة بن قيادات امليليشيات التي صارت همًا يوميًا يــعــانــي مــنــه الـــنـــاس، إال أن ذلـــك ال يــعــفــي الــحــوثــيــن من املسؤولية األخالقية، إذ إنهم دون شك يتحملون إثم بدء الصراع املسلح في مدينة كانت األكثر سلمية وهـدوءًا في شمال اليمن، والـذي صار فيما بعد مصدرًا إلثـراء العديد من قياداتها، وعلى قيادات الحوثين إن كانوا جادين في املساهمة ببناء الثقة مجددًا أن يبادروا فورًا ودون شروط مسبقة فـي رفــع الحصار عـن مـداخـل املدينة التي صارت حركة املواطنن بن أجزائها صعبة وقاسية وبلغت حدًا ال يــجــوز الـصـمـت عــنــه، وال يــجــوز إنـسـانـيـًا وأخــالقــيــًا أن تستخدمها الــقــيــادات الـحـوثـيـة ورقـــة ابــتــزاز ومساومة، وورقة تفاوض على حساب ظلم الناس ومعاناتهم. بالقدر الذي أجد فيه أن املعركة في الحديدة يجب تجنبها وهو أمر ممكن إذا كان الحد األدنـى من الثقة قد نشأ بن األطـراف اليمنية، إال أن رفع الحصار عن تعز سيكون هو حجر األســــاس، وهــو ال يحتاج أكـثـر مــن قناعة القيادات الحوثية بــأن بـقـاءهـم ال يمكن لـه االســتــمــرار، وأن عليهم اتخاذ القرار بما يساهم في املحاوالت التي يبذلها الكثير من أبناء املحافظة لبدء مسيرة طويلة من استعادة السلم االجــتــمــاعــي ونـــــزع الـــســـالح مـــن الــجــمــيــع عــــدا مؤسسات الدولة.